كنت حذرت هنا في “المواطن” في مقالين منفصلين الأول عن خطورة الابتزاز بالتصوير، من خلال استفزاز الشخص المراد ابتزازه وتصويره في ثورة غضبه ونشر الصور في مواقع التواصل الاجتماعي؛ ليتم التشهير به أولاً ولاستعداء المسؤولين عليه ثانياً، وكان الأمر ينجح في كل مرة، ما جعل الكثيرين إما لجهل أو لضعف الوازع الديني والأخلاقي يلجؤون إلى هذه الوسيلة مع كل من يقع معهم في إشكال معين، متجاوزين بذلك الوسائل النظامية لحل المشاكل. وفي المقال الثاني تكلمت عن هيبة المعلم التي فُقدت بسبب بعض الأنظمة والقرارات الوزارية وسوء تطبيقها من إدارات التعليم، وأثر ذلك الأمر على هيبة الحكومة وأنظمة وقوانين الدولة وقبل ذلك على القيم والأخلاق والسلوك العام. وما حدث في مدرسة الفيصلية للموهوبين بجدة كارثة حقيقة على القيم والأخلاق ومنظومة القوانين والأنظمة والكيان التنظيمي للحكومة. ليست الكارثة في قيام طلاب مراهقين بالتخطيط لاستفزاز معلمهم ثم تصويره ونشر التسجيل على مواقع التواصل الاجتماعي، كما ظهر ذلك جلياً في طريقة التصوير، وكما ذكره غير واحد من طلاب المدرسة من زملاء الطلاب أصحاب الحادثة، رغم فداحة الأمر وكارثيته. الكارثة الحقيقة كانت في ردة فعل المسؤولين عن التعليم بجدة، بدءاً من إدارة المدرسة التي لم تكتف بما حدث للمعلم من إساءة وتشهير فزادت الطين بله بتصويره وهو يعتذر للطالب ويقبل رأسه، ونشر المقطع على مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنها تقول هذا جزاء كل معلم لا يصبر على إساءات الطلاب وإهاناتهم له، وتقول للطلاب استمروا ولا تخافوا. ثم أكملت إدارة التعليم بالطامة الكبرى باستقبال الطالب صاحب الحادثة وتكريمه وإجلاسه على كرسي مدير التعليم، وكأنها تقول لكل طالب افعل ما بدا لك داخل المدرسة بحق أو بباطل، ولا تُقم وزناً لأحد فأنت فوق كل قانون ونظام ومحمي حتى وأنت تخطئ وتسيء. ابني في نفس مرحلة الطالب قال معلقاً على استقبال مدير التعليم للطالب ” الله يهنيه صار مشهوراً”. تعليق ابني يختصر تماماً ما سيحدث مستقبلاً من الطلاب تجاه معلميهم، وهو الآتي: أي معلم لا يعجبك استفزه وصوره وأفضحه، النتيجة: تنتقم من المعلم وتصبح مشهوراً. وهذا امتداد للأحداث السابقة التي لم يُتخذ فيها إجراء مناسب لردع المستفز والمصور والناشر، لكن هذه المرة الحدث وقع في أخطر مكان على الإطلاق وهو التعليم مصنع كل القيم والسلوكيات. تصرف المعلم غير مقبول ويتنافى مع كل قيم مهنة التربية والتعليم. لكن المعلم يظل إنساناً يستفزه ما يستفز كل إنسان من تصرفات تسيء له، قد يضبط نفسه مرة ومرات لكنه سينفجر أخيراً، وهو ما نفعله مع أبنائنا في البيت. وترك الطلاب يستفزون معلميهم ويشهرون بهم دون محاسبة ولا عقاب، فإننا بذلك نتركهم يدقون المسمار الأخير في نعش التعليم، الذي لن يُدفن وحده بل ستُدفن معه القيم والأخلاق وكل العلاقات النبيلة في المجتمع، بل وسيُدفن معه قانون الدولة وهيكلها التنظيمي. معالي وزير التعليم، يجب ألا تمر هذه الحادثة دون تصحيح وضع التعليم وأعني هنا هيبة وكرامة المعلم والتعليم قبل تتفاقم الأمر ويحدث ما لا يمكن تداركه أو تصحيحه. abdulkhalig_ali [email protected]