رثى الشاعر علي بن حمد الطاهري، معلم في قرية البيض الأعلى بمنطقة جازان، شهداء الوطن الأبطال، ومن بينهم: (العميد إبراهيم حمزي، والعقيد حسن عقيلي، والوكيل رقيب عبدالرحمن هزازي)، الذين استشهدوا قبل أيام، اثناء أداء واجبهم على الشريط الحدودي بجازان. وجاءت القصيدة في 95 بيتاً بعنوان “رحيل الأبطال”؛ حيث جسّد فيها معاني الحزن والفخر بالشهداء والدعاء لهم. وجاء نص القصيدة: جَلّ المصاب على رُبى جازان *** فبكت بدمع اللوع والأحزان واستنّ كف الدهر مِدْيَتَه لكي *** يمضي على الباقي من الشريان!! والعين من جُل الفجيعة دمعها *** جارٍ على خد الحزين العاني أمر عظيم قد أحل بأرضنا *** ومصيبة يبكي لها الحدثان ومغاني الأفراح عدنا مأتماً *** سُقيت بكف الآه والحرمان خطْب ألم وما له من دافع *** عنا، وتلك مشيئة الرحمن وانهدّ طود المكرُمات وزُلزلت *** أرض، وهامَ بعيدها، والداني وانداح صرح المجد لما أخبروا *** أن الرجال مضوا بلا استئذان فاذرف دموعك يا زمان وجُدْ بها *** إن الدموع شواهد الوجدان في أعظم الأيام نحن بسعدنا *** نلهو، وجند الحق في الميدان هم جنده المختار آساد الشرى *** وحماة هذا الدين والأوطان في فرحة الأعياد طارت أنفس *** لله واشتاقت لطيب جنان أو هكذا ودعتمونا بكرة *** وسجى الظلام بخيمة النسيان تبّت يد الأعداء حين تطاولت *** وأتت تجر هوانها بهوان عبثوا بأمن بلادهم.. لم يعرفوا *** قدر البلاد، وحرقة الجيران ظنوا بأن بلادنا مهزوزة *** أو أنها بُنيت بلا أركان وإذا بهاتيك الظنون تبخرت *** وتفرقوا في التيه والقيعان في يوم مصرعهم لقد عم الأسى *** والحزن والآهات كل مكان يا قلب صبراً فالخطوب فوادح *** والصبر خير مطية الإيمان يا رمش أعيننا اكتبي تاريخهم *** بدمائنا في صفحة الأزمان فلقد مضى الأبطال يخلف بعضهم *** بعضاً بحزم واثق وتفاني في كل يوم للشهادة مركب *** وقوافل طافت قرى جازان واليوم أعني العيد في قمر الأسى *** أقمارنا خسفت بقدرة جاني لو يعلم الأعداء مَن قتلوا لما *** ذاقت لذيذ منامها العينان قامت قيامتهم، وآن حصادهم *** عن بكرة الآباء، والولدان ما كان ضعفاً في رجال جيوشنا *** كلا.. ولكن حكمة السلمان واليوم بعد تطاول الباغي على *** شم الرجال، نثور كالبركان قد نلت يا كف العدو منارة *** تعلو، فنلت نهاية الخسران (شُلّت يمينك أن قتلت لَمسلماً) *** حُراً، أريباً، مشرق العرفان قد كان أمنية لنا ريانة *** يا حسن آمال لنا وأماني حامي عرين الحق في أطماره *** بطل وطود شامخ الأركان فاغبَرّ أفق كان وضاء السنا *** والحزن ذو قهر، وذو سلطان يا طيب تلك الروح حين تسللت *** كالقطر منه لواحد ديان قتلوك؛ بل قتلوا الشجاعة والندى *** قتلوا الإباء، وسيد الشجعان أفنيت عمرك في الحياة مجاهداً *** ومناضلاً عن أشرف الأديان يا فارس الميدان في يوم الوغى *** ومروع الأعداء في إيران يا راحلاً عن صحبه، وعيونُهم *** دمع يترجم لوعة الكتمان قد كنت يا حسن المكارم مشعلاً *** تجلو الطريق الصعب للفرسان أنت الذي قد عشت فينا رائداً *** بالحب، والأخلاق، والإحسان لم تنكسر يوماً شكيمة عزمكم *** أبداً، ولم تعبأ بفعل جبان قد كنت نبعاً في التعامل قدوة *** والكل يذكركم بطيب لسان يتزاحمون لحمل نعشك كلهم *** وقلوبهم حرّى من الخفقان وأبيت يا حسن رحيلك مفرداً *** ورفضت إلا صحبة الأقران واخترت من كل الرجال عظيمها *** وهزبرها الحمزي للميدان وشبكتما كف الوفاء شهادة *** ومضيتما للموت دون تواني لو كان غيركما لما نزل الوغى *** مترجلاً في ساحة النيران لكنه الإيمان إن روح به *** فاضت رأيت عجائب الإيمان رجلان لم تلد النساء مشابهاً *** لهما، ولا جاد الزمان بثاني بالحب عاشا في الإله محبة *** وغداً بإذن الله يلتقيان تبكي المجصص فارساً ما أبصرت *** عين الزمان كمثله بعيان في وصفه تأبى الحروف تحدثاً *** ويتيه في مدح العميد بياني رجل يحرك جيشه بإشارة *** ويعيده بإشارة بثوان أحقيقة شمس المجصص قد هوت *** أم كل حي للمنية فان؟! غاب العميد فأضرمت نار الأسى *** في كل قلب مخلص متفاني ما مات من دفع البلاء بروحه *** ليعيش شعب بعده بأمان لكن من يرضون عيشاً واضعاً *** موتى، وإن كانوا ذوي أبدان فيك السجايا والصفات جميعها *** جمعت بكلا نقص ولا نكران وعد، وفاء نجده وشهامة *** وكرامة، صدق، وطيب لسان شبحاً على الأعداء عشت مزمجراً *** كالليث، كالبركان، كالطوفان كم كنت ترجو أن تطهر ساحنا *** وتزيل حوث البغي والعدوان إن كنت قد وسدت في بطن الثرى *** فلأنت فوق النجم كالتيجان ما أبصرت عيناي مشهد راحل *** كاليوم.. حتى قلت: تلك تهاني يا ليتني ذاك المسجى بينهم *** فالناس عند الله كالبرهان ورأيت جنداً بالوفاء تجمعوا *** وعلى شفير القبر كالإخوان فقلوبهم تبكي، ودمع عيونهم *** يجري، وصوت دعائهم أبكاني ما مات من ملأ الحياة بشاشة *** وسقى الورود بزمزم الريان عمار.. لا تذرف دموعك عن أسى *** واذرف دموع السعد، والسلوان عمار.. والدك الأبيّ تشرّفت *** (قمر) به حيا، وبالجثمان وكأن والدكم تأخر دفنه *** كي يطمئن على حمى الأوطان عمار.. والدك العظيم شهامة *** في جبهة التاريخ والأزمان حملته أجنحة الملائك قمة *** ومضى إلى الفردوس والريحان نَمْ في رحاب القبر نومة هادئ *** وانعم بطيب الحور، والولدان ما غادر الجمع الغفير مكانهم *** وإذا السحاب يهلّ مثل جمان هل يا ترى بكت السماء رحيله *** أم يا رفاق رسائل الغفران؟! وغداً تصافح قائداً أحببته *** في الله حباً فاق كل معاني هو قائد للركب سخّر عمره *** في خدمة الأبطال، والشجعان يسعى إلى الخيرات سعي مشمر *** لا جازع منها، ولا متواني ولَكَم تمنى أن يموت مصافحاً *** كف المنون على سيوف طعان فالفرحة الكبرى لديه تحققت *** وأتاه ما يرجو من الرحمن ما كل من طلب الشهادة نالها *** هي منحة من خالق الأكوان هذا عطاء الله يا طيب الذي *** ختم الحياة بصالح الإحسان يبكي المجصص، والطوال، وبخشة *** وأبو عريش هاج بالأشجان ضمد، وبيش، والموسم كلها *** تبكي الجبال، وقمة الطلان تبكي الجنوب سهولها وجبالها *** والبحر هاج بدمعه الهتان تبكي البلاد شمالها وجنوبها *** شرق وغرب في ربى البلدان هذا الرثاء، ولست أوفي قدره *** فرحيلكم قد هز كل كياني لكنْ عزاءُ الحر أن وراءكم *** أسد العرين، وعسكر ذو شان قد بايعوا الملك الهمام، وأعلنوا *** إما جنان، أو علو مكان يا أيها الأبطال سيروا دربهم *** هذا هو المطلوب كل أوان فعدونا في الحرب مثل نعامة *** فإذا استكنتم زاد في الطغيان واحموا البلاد، ولا تَولوا، واثبتوا *** ودعوا الشقاق ونزغة الشيطان لا.. لن نُلام إذا بكينا بعدهم *** لكن نريد الصف كالبنيان والله أرجو أن يتمم فضله *** ونزيد نوراً من هدى القرآن واحفظ لنا يارب وحدتنا، وكن *** في عون قائد شعبنا سلمان واسكب على الشهداء أبلغ رحمة *** وارزقهم الفردوس طيب جنان