هل يوجد بالفعل مَن يفهم الآخر فَهماً كاملاً وحقيقياً دون أن يشرح له موقفه أو مسببات أفعاله وتصرفاته ؟! الجانب المضيء لإجابة هذا السؤال هو نعم يوجد، توجد في رأس كاتبٍ هَمَّ في كتابة روايته التي تشبعت منها المجتمعات، حتى أصبحوا يبحثون عن أُناس يعيشون معهم هذه الأدوار بواقعٍ ملموس، ومؤمنين أن كل ما عليهم فعله هو النظر إلى العينين، وتسبيل الرموش، مع مشهدٍ لجمال لمعتها، حتى يُشاهدها البطل بتمحيصٍ وتدقيق ليشرح للناس الموقف الحقيقي لحبيبه، وللأسف شاخ بعضنا، والآخر في طور الشيب ولم نصل إلى الآن لذلك الإنسان الفذ!. من الطبيعي أن تتغير قناعاتنا وفق متغيرات نَمُر بها، فيصعب فهمنا في مرحلة ما، كمرحلة العمر، وتطوير الذات مثلاً، فما كُنّا متشددين بالتمسك به بالأمس، قد يصبح مهملاً أو نضعه في صنف الأخطاء الكبيرة اليوم، ونبدأ في ” جلد ذواتنا ” بسببه، عوضاً عن النظر لإيجابية ما وصلنا له، واكتشفناه!، وعلى ذكر ” جلد الذات ” قرأت هذه الجملة بتواتر غريب كالموج يتوالى على الشاطئ بنفس الاتجاه وبنفس الشكل والمضمون، وكأن الناس اتفقوا على أن تكون هذه الجملة هي الأكثر تداولاً بين قادة العالم الافتراضي!، فأحدهم على سبيل المثال تبنى موقفاً من قضية ما، وعندما صححها له آخر، ألغى رأيه الأول عندما اقتنع به، وبدأ يرد على متابعيه بأسلوب الاستهزاء، حين تبنوا المعلومة الخاطئة: نعم أنتم مبدعون في جلد الذات، وكأن العالم لا يُخطئ!، ونحن في أعلى قائمة المخطئين، ونسير على خطى ضائعة، ورجعية!، فإليكم الحقيقة!، وبدأ في الشرح، وتناسى أنه منذ برهةٍ تبني نفس آرائهم!، فأوصل المعلومة بأسلوب الاستهزاء و” التريقة “، وبهذا الأسلوب عموماً قد يجلب الهازئ لنفسه عواقب أكبر من أن يتخيلها، وبعيداً عن مبدأ تقديس المجتمعات الأخرى ومحاولة تعليم الناس الابتعاد عن ضرب الأمثال بها، هناك أخطاء سلوكية يجب أن تصحح، ولا ضير إن أخذنا بعضاً من هذه النماذج للتحفيز، والمقارنة بما يتناسب مع مجتمعنا. والأدهى والأمر من الاستهزاء هو تحوير الحدث إلى نتاج ديني بغض النظر عن مقدرة العقل لاستيعابه أم لا!، ففي حادثة سقوط الرافعة توجه بعضهم لمحاولة تخفيف الرأي العام وجلب مسببات لسقوط الرافعة، وذلك بوصفها سقطت خشوعاً وسجوداً لله سبحانه!، أو شرح صورة وزير التعليم حين وزعت الكتب في أول يوم دراسي للطلاب، والتقطت لمعاليه صورةً يحمل فيها القرآن، فأخذها بعضهم من باب إعادة القرآن لمدارسنا!، فعلينا أولاً أن نترحم على الشهداء ونعزي ذويهم، وندعو الله للمصابين بأن يشفيهم ويضاعف أجرهم، ثم نتوجه إلى من ” شطح ” فكره إلى هذه الشروحات، بدعوتنا الله له بالاتزان وعودة عقله إلى مكانه حتى يكف عن أذية المسلمين في خيالاته وبِدعه، أما ما نوجهه إلى إعلامنا الفاضل بخصوص الحادثة، فنحن لم نقل أن بلدنا مركز الأخطاء، أو أن جميع العالم دون حوادث أو كوارث، فمثل خبركم الذي تم نشره كمثل الطالب عندما يحمل لوالده نتائجه، ويخبره وهو ينتظر ردة فعل أبيه: ” حتى فلان أخذ نفس النتيجة! “، فمعلومة من حدث له مثلنا، وأين، ومتى، لا تغير من الأمر في شيء، فالأهم هو السبب، ومعرفة وجه التقصير، وأن نتكاتف سويًّا لمعرفة الحقيقة، وهل تم العمل بإجراءات السلامة، والاحترازات الضرورية لمثل هذه الأعمال أم لا، حتى لا تحدث مرةً أخرى. وفي الأخير، لكل مجتمع سلبياته، وإيجابياته، وإن كنت في مكانة قريبة من الناس عاملهم كما تحب أن تُعامَل، واختر ألفاظك جيداً، فلا تعلم ما هو تأثيرك بهم، فقد تجعل من متلقيك عالِماً ناجحاً، وفرداً يصحح أخطاءه ويبدأ في نشرها لغيره عن اقتناعٍ، وعلم، أو أن يكون بذرة سيئة همها تفشي الأخطاء، وتثبيط الأنفس، فنحن لسنا أمة ضحك من جهلها الأمم، إلا إن كنت مؤمناً بأن لا شيء يتغير بالمطلق، فيجب عليك في هذه الحال أن تتنحى، ليحل مكانك من لا يزال نور قلبه ينير طريق الخير للناس، وبه طاقة تكفي أن تجعل من مجتمعنا مجتمعاً بنَّاءً ومتحضراً، دون يأس أو تأفف أو استهزاء.