أشعل رئيس تحرير صحيفة الرؤية الإماراتية هموم الصحافة الخليجية، بعدما تحدث عن مستقبل الصحف الورقية وتَقَارب سقوط ورق التوت إن لم يفكّروا جيّدًا في ملء فراغ هذا العصر الجديد بتحديث أدواتها لتتناغم مع رغبات القارئ والمعلن وتحقق لنفسها الاستمرارية. وبخلاف أن الصحافة كغيرها من وسائل الإعلام المختلفة التي تعرف بالسلطة الرابعة وتهم كافة شرائح الشعوب من حيث القراءة والاطلاع والمبدأ التكاملي لها مع كافة الأجهزة الحكومية والخاصة، إلا أنه حين يأتي الحديث عن ضبابية مستقبلها يشعر المهتمون فيها بمرارة ذلك لقيمتها المعنوية على نفوسهم، ودائمًا ما يصف الصحافيون مهنتهم بمهنة المتاعب، وفوق ذلك يستلذون بمتاعبها كثيرًا إذا كانت وفق مبادئ المهنة الشريفة. وحين يأتي هذا التشريح لواقع الصحافة وخطوات مستقبلها من مجهر أحد صنّاعها الذين يحددون من نقطه شاهقة تعرّجاتها، وأين يمكن تتسارع حركة سيرها، وفي أين تتلبّك وتتأخر وقد تتوقف وتغلق منافذ أبوابها ونوافذها، هنا لا يمكن للقائمين على هذه المؤسسات سوى الأخذ بهذه الروشتة وبلورتها أو الانصراف بأقل الخسائر. وما أن ذكر رئيس تحرير صحيفة الرؤية محمد التونسي- في تغريدة له ضمّنها بصورة رمزية معبّرة لقضيته- قائلًا: “يا أهل الصحف الورقية.. فكوا عن رؤوسكم العصابة، وفكّروا بمنحى مختلف.. فالزمن تغيّر والقراء كذلك”. حتى جاءت الردود أشبه بمؤشر سوق الأسهم الذي يتأرجح مرّة بين اللون الأخضر والأحمر، لكن ما يلبث أن يمعن بهم كثير في الاحمرار، وما يخفف توجسهم، أن “التونسي” ما زال يقود دفة إحدى الصحف الخليجية الواعدة، وهي حديثة عهد بالفعل، بينما أخذ بها منحى الصناعة في المحتوى من دورة الخبر أو التقرير الصحفي وصولًا لميكانيكية الإخراج. وأشار محمد محسن (صحفي) أن أي وسيلة إعلام لا تلغي الأخرى، وعلى الصحافة الورقية التأقلم مع مستجدات الإعلام وتقديم منتج ذي قيمة إعلامية إضافية. ولفت محمد القصير (صحفي وكاتب سعودي) أنه لولا الإعلان- والحكومي بالذات- لأفلست صحف خليجية كثيرة؛ حيث إن غالبيتها ذات محتوى تحريري هزيل، وأيضًا إخراجها أبو ريالين. وذهب محمد خاتم (مذيع وصحافي) بقوله: “مؤخرًا كانت المراهنة على الصحف الورقية تكمن فالعشاق الحقيقيين ليس فقط المتابعين، اليوم حتى العاشق آثر الهجر، واستسلم لثورة الجديد”. حمد هلال البلوشي غرّد متفاعلًا: “فعلًا أستاذ محمد.. أصبحنا نقرأ الأخبار في التواصل الاجتماعي والصحف الإلكترونية قبل بكثير من الصحف التقليدية”. سلمان الموشير له رؤية مختلفة؛ ذكر أنه حتى وإن عُدْتَ للسابق للصحف الورقية.. فإنها مقيدة الحرية في الرأي والرأي الآخر، وأضاف: المعنى أنها لو كانت ثمينة الخبر لما كانت بخيسة الثمن. ودعا خلف الحمود (صحافي) لأن تتوجه الصحف الورقية إلى مواقع التواصل، وتحديث مواقعها الإلكترونية وتطوير المنتج التحريري، أظن أنها ستكسب قراءها وقراءً جددًا. في حين أكد متعب الشيباني على تلويحة الوداع للصحف الورقية، وذكر أن المواقع الإلكترونية للصحف والصحف الإلكترونية أصبحت البديل للصحف الورقية مع تطور التقنية والأجهزة الحديثة.. فوداعًا للصحف الورقية. لكن تركي السهلي له رؤيته الخاصة حين أشار بقوله: “صحف الورق باقية.. صحفيو الورق هم من انتهى”. المستشار الإعلامي عوض القحطاني أكد على ضرورة التغيير للصحف؛ فهو مطلب العصر الذي تغير والزمن اختلف. الإعلامي حسن النجراني لفت أنه لا يتفق بشكل كاملٍ مع هذه المقولة، مشيرًا إلى أن الصحف الورقية ستظل موجودة، لكن لن تكون بزخمها في الماضي. وأوضح أنه في دراسته حول الصحافة في سالفورد اطلعوا على ما كُتب، وتَوقّعوا نهاية الصحف الورقية، لكن ظلت ولا تزال لكن بشكل أقل. وذهب “النجراني” إلى أن الصحف الغربية هبطت بنسبة 60٪ وقد تم التوقع بنهاية الورقية، لكن ظهر لهم أنه استمر الإقبال عليها لكن بشكل أقل وأضاف بقوله “صحف بريطانيا في 2006 اعتنقت وسائل التواصل الاجتماعي، في وقت لا تزال فيه صحفنا في 2015 تشكك في قدرة هذه الوسائل”. وختم أخيرًا بأنه لن تموت الصحافة الورقية، ولن تعود للحياة الطبيعية مجددًا، داعيًا إلى الاهتمام بالتقنية لتعويض النقص. تركي الروقي- المشرف العام على صحيفة الوئام- أشار أن حديث محمد التونسي- وهو أحد أبرز رؤساء تحرير الصحف الورقية- يعيد صياغة مقولة عثمان العمير “الصحف الورقية جنازة تنتظر الدفن”، ويضيف: “هذا رأي رجل يقود صحيفة ورقية وخبير بالسوق، وكل المعطيات تقول بأن عهد الورقية بدأ بالأفول”، ويشير “الروقي” أن أعلى صحيفة في الخليج لا تتجاوز مبيعاتها 5 آلاف نسخة. كاشفًا عن أن مقارنة صحافة الخليج مع صحافة بريطانيا ظلم؛ صحافتنا هوامشها محدودة جدًّا؛ وبالتالي الخيارات أمامها أقل بكثير. إلى ذلك أكد عاملون في عدة صحف ورقية داخل السعودية ل”المواطن“- فضلوا عدم ذكر هوياتهم- أنهم بالفعل منذ فترة سابقة يودِّعون كل فترة وأخرى زملاء صحافيين وإداريين؛ لتراجع مبيعات صحفهم، وتململ كثير من المعلنين؛ ما ألقى ذلك بظلاله على العوائد المادية، وأشاروا أنهم في توجس من مغادرة وظائفهم، وبينهم من استشعر ذلك وبدؤوا بالبحث عن وظائف تحقق الأمان الوظيفي والمعيشي لهم ولأسرهم. وأكد أحدهم أن أخطر ما يهدد استقرارهم في وظائفهم البوح عن أرقام المبيعات وعدد المشتركين. ويذكر هنا عدد كبير من أصحاب منافذ البيع في السوبر ماركات وغيرها عن تراجع البيع وتعود نسخ كثيرة مع موزعي الصحف، ومنهم من نقل إستاندات الصحف عن أبواب محالهم إلى الداخل وفي مواقع وزوايا بعيدًا عن مرور الزبناء. وكانت المنظمة العالمية للصحف وناشري الأخبار ذكرت مؤخرًا أن الدخل العالمي للصحف من التوزيع خلال عام 2014 فاق ولأول مرة خلال هذا القرن دخلها من الإعلان؛ حيث بلغ دخل التوزيع (مطبوع واشتراكات رقمية) 92 مليار دولار، مقابل 87 مليار دولار للإعلان (مطبوع ورقمي). وما يبعث الاطمئنان أنه ما زالت الصحافة الخليجية تغامر لولادة صحف جديدة، وبينها ما يمرض ويتراجع ترتيبها بين قوائم الصحف الأكثر انتشارًا وقراءةً، لكن لم يغلق منذ سنوات بالفعل أي صحيفة مهددة بالزوال سوى صحيفة واحدة، وهي صحيفة “شمس”، ويرى مطلعون أن صحفًا أخرى ما زالت تتمسك بالصمود رغم عدم تحديث أدواتها، وقد عمدت صحف أخرى لتنويع مصادر الدخل في اقتحام سوق المتاجر الخاصة، وخدمات الرسائل التفاعلية والمسابقات.