بلاد الأمن و الأمان , جملة يكثر نطقها و كتابتها في كل محفل و مناسبة , و لم أنوي في ذكرها هنا مقصداً للتمجيد أو التشويه لهاتين الصفتين , بل أريد أن أطرح تساؤلاً للمتناقضين ! , ان كنت مؤمناً حقاً بهذه العبارة لماذا تناقض نفسك و تعلن ذلك على الملأ ؟! . تأتي بين فترة و أخرى أحداث في بلدي تنقض هذه العبارة ولكنها مجرد أمور عابرة ومن السهل التعامل معها و دحرها , لكن ما يهمني هنا من يلغي هذه الصفة تماماً عن البلد حسب مصلحته ومصلحة توجهه و فكره , و للاستشهاد و ليس الحصر , ما حدث للسيدة في جدة التي ضربها ” ذكر ” و لا نعلم ما هي الأسباب الى الآن , و بغض النظر عن المتجمهرين من ” الذكور ” , و المصور ان كان انثى أم ” ذكر ” , و عدم اكتراثهم لهذا الموضوع و الاكتفاء بالمشاهدة فقط , هل يعقل أن تكون بعض ردّات فعل من قرأ الخبر أنها تستحق ما جرى لكونها خرجت وحيدة دون ” محرم ” ؟! للتو أخبرتنا انها بلاد الأمن و الأمان ! فلما ” المحرم ” ان كانت تسير في أمنٍ و أمان ؟! . يحق لها أن تقوم بما تقوم به انت وفق رؤيتها و حياتها ولا يحق لك تقييد حركتها و حريتها لأنك تعلن بأنك ” ذكر ” متناقض لا يستطيع أن يعلّم أهل بيته احترام الجميع نساءً و رجالاً , و معاملتهم كالأهل , وإن بَدَر ما يسوء منهم فليبتعدوا محافظةً على قيم و مبادئ زرعت فيهم , فمن المخجل أن تُضايق أنثى ” غريبة ” لكونها ليست من محارمك أو جيرتك , و تحكم عليها بأسواء الأحكام لأنها تعيش حياتها الطبيعية ! حكت لي جدتي رحمها الله حكايات الماضي الجميل و كيف كانت حياتهم آن ذاك وكيف يقضون نهارهم و مساؤهم , و ماهي ألعابهم و سهراتهم , قالت لي انه عصر العمل و الجهد و الكدح , فراحتهم تنتهي عند أذان الفجر و يبدأ العمل لكسب قوت اليوم , فالمرأة في وقتها كانت شقيقة الرجل و نصفه , فالعمل لهما معاً , و الغريب أنه لم يكن هناك ذئاباً بشرية تنهش من لا تغطي وجهها لأنهن لم يعرفن تغطيةً للوجه أصلاً , فقد كان حجابهن عبارة عن “منديل” أصفر يتغير طريقة لباسه حسب الحالة الاجتماعية بين الصبية و المتزوجة , قد كانت حياة بسيطة يعملون معاً و يتسامرون سوياً , وفي الشدائد تجد في النساء من تفوقت على الرجال في القوة و الحماية حين التعديات أو المنازعات أو غيره من الحالات التي كانت تمر وقتها , قالت لي قصصاً كثيرة , ولم يكن بينها أي امتهان لحياة النساء الحقيقية أو تحريم الخروج أو العمل أو المخالطة . و الآن و في هذا العصر وفي أمنه و أمانه نجد هذه المطالبات الغريبة , البعيدة كل البعد عن واقعنا الحديث , الذي عادت فيه المرأة الى حياتها العملية بكل قوة و جد و اجتهاد لتوفير معيشتها الكريمة لها و لأهلها , و أصبحت أكثر نضجاً و وعياً من بعد اعتمادها على بعض المعيلين الذين اضاعوا فيها حقوق نسائهن لإيمانهم ب ” نقصان عقلهن و دينهن ” . و في نهاية الأمر سيعتاد المتناقض على هذه الأوضاع , فالدنيا رجل و امرأة و الجمال حياتهما معاً و الصحة اعتماد كل شخص بنفسه مع تلاقيهما سوياً في بناء اسرة متكاملة , يسود فيها الاحترام المتبادل ليحيوا حياة طبيعية و ملهمة .