مما لا شك فيه أن قوة الشخصية تكمن فيما يتميز به المرء من صفات جذابة تجعل مَن حوله يقبل عليه ويتقبل أراءه ويحترم حواراته ويصغي إلى ملاحظاته ونصائحه وربما يجد متعة في النقاش معه حتى وإن كان طويلًا. لكن من أين تأتي قوة الشخصية؟ وما هي الصفات التي ينبغي أن تتصف بها حتى تكون شخصًا ذا كاريزما فعالة وجذابة تستطيع من خلالها جذب الآخرين إليك دونما تصنّع ومن ثم تترك فيهم أثرًا حميدًا. لعل من أهم هذه الصفات أن تتمتع بالسلام الداخلي والخارجي، وأن تكون هينًا لينًا أثناء النقاش وطرح أفكارك، رفيقًا في كل أقوالك وأفعالك معهم. بل اجعل من الرفق حمائم سلام ترفرف حولك وحولهم وإن أردت أن تحظى بالقبول في القلوب بادرهم بالاحتواء وبادلهم الاحترام فإن طبيعة النفس البشرية تميل إلى مَن يحترمها ويقدرها. ومما يؤسف هذه الأيام حقيقة أنه اختلط الحابل بالنابل وأصبح هناك لبس كبير بين مفهوم قوة الشخصية و (قلة الأدب في الحوار). هناك مَن يدعي أنه صريح في أقواله وأفعاله بينما هو مصدر تجريح لمن حوله.. فهو لا يعرف من النقد إلا ما يهدم ولا ينتقي من الألفاظ إلا أسوأها، ناهيك عن صوته المرتفع أثناء الحديث وهو يعتقد أنه قد بلغ بذلك أعلى مراتب القوة. وكل هذا يفسره منطقه العجيب أنه يندرج تحت مسمى (أنا صريح) عجبي!!! وما شأن الناس بصراحة مقيتة كهذه تنفر القاصي قبل الداني ولا تؤتي ثمارها. ثم ضع هذه الآية الكريمة نُصب عينيك وتذكر أنه خوطب بها سيد الخلق وهو من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ). هنالك فارق عظيم بين أن تكون صاحب شخصية قوية تترك أثرًا إيجابيًا في حياة الآخرين، وأيضًا تترك لهم انطباعًا حسنًا عنك في قلوبهم مما يجعلهم يقبلون عليك في كل مرة بودّ متدفق واحترام فائق، وهذا يُحسب لك لا عليك. أما أن تظن أنك صاحب شخصية قوية وأنت لا تفقه شيئًا من مواطن قوة الشخصية وصفاتها سوى مقولة (أنا صريح) هنا عليك أن تقف قليلًا مع نفسك، صوب أخطائك، ثم حاول تقويمها قدر المستطاع ولا بأس أن نبذل الكثير من الجهد والوقت في سبيل إصلاح بعض المفاهيم والسلوكيات الخاطئة حتى تصلح معها ذواتنا البشرية التي يعول عليها صلاح المجتمع بأكمله. *كاتبة سعودية