تخطط للذهاب للتسوق اليوم، تعد العدة جيدًا وتنظم وقتك وتستقر على بعض الطلبات الضرورية التي يحتاجها منزلك، بعد الدخول إلى أحد المتاجر الكبرى ومشاهدتك المنتجات والبضائع المنظومة بمثالية فائقة وبتنوع كبير، تجد نفسك لا إراديًّا لا تكتفي بما أردته بداية من طلبات، بل يمتد بك الحال لشراء العديد من المنتجات غير الضرورية كرغبة منك في التجريب والاستحواذ، وهذا ليس حالك وحدك بل هي حالة عامة لدى كثيرين، وكي نتوصل لعلاج لهذه المعضلة التي على إثرها تضيع كثير من أموال الأفراد، علينا أن نقوم بتفصيل هذه الظاهرة وإحاطتها بالفهم من حيث الأسباب والعوامل المؤدية إليها. العامل الأول متعلق بطبيعة العصر الذي نعيشه، حيث التطور المذهل في الإنتاجيات المختلفة من الشراب والطعام، فضلًا عن التنوع الكبير فيها، والذي يغري المستهلك بأخذ خطوة دائمًا إلى الأمام، وذلك من أجل التجريب واستقصاء الأمر. العامل الثاني يتعلق بالتأكيد بنظام التسويق الحديث والذي صار على درجة كبيرة من التطور والاحترافية، بناء صلب مشيد على أساس قوي من حيث الدراسات النفسية التي تبحث في طبيعة الإنسان وكيفية التأثير فيه، ومن حيث التطبيق الفعلي لأنماط تسويقية غاية في الجذب والإغراء، من حيث استخدام الألوان المناسبة والمحركات البصرية، إلى أن نصل إلى استغلال المشاهير وذوي التأثير في الترويج للمنتجات والحض على الشراء. العامل الثالث ربما يتعلق بنفسية الإنسان ذاتها المحبة للاستحواذ واقتناء الأشياء، إن استهلاك الإنسان الزائد عن الحاجة يؤدي به تراكميًّا إلى تبديد فرصه القائمة في ادخار أمواله وتأمين مستقبله، ففي حين يظن المستهلك والمبذر لأمواله على منتجات تكميلية لا طائل منها أنه يستمتع بحياته، ينخر دون أن يشعر في قوامه المادي الحالي والمستقبلي، إذ الأمر لا يقف عن حد تبديد بعض الأموال الآن، بل يمتد إلى تبديد مستمر لها، ذلك أن الاستهلاك إذا ما تمكن من الفرد لا يتركه، بل يصير فيه طبيعة لا يستطيع معها المقاومة. من هنا ورغم درايتي بالطبيعة المغرية جدًّا للإعلانات والعصر الذي نعيش فيه؛ فإننا مطالبون أن نعقد العزم على مقاومة هذا الشره والوباء المتفشي، وأن نمضي إلى التركيز في الشراء على المنتجات الضرورية فعلًا التي نحتاجها، وألا ندع أنفسنا لهذا الوحش، ونحن كأولياء أمور مطالبون دائمًا أن نحفظ حياة كريمة آنية ومستقبلية لأبنائنا، ولن يكون هذا دون تحكم في الرغبات وادخار ومن ثم استثمار صحيح، هذه ليست دعوة للبخل، بل دعوة للاقتصاد، دعوة للاستمتاع بالحياة على نحو صحيح لا يضرنا أو يضر من نعولهم. وفي هذا الصدد يمكننا أن نروي قصة قصيرة وردت عن الفاروق عمر رضي الله عنه، والذي أوقف ابنه عبدالله ذات يوم سائلًا إياه إلى أين أنت ذاهب؟ فقال عبدالله: للسوق، فقال الفاروق له: لماذا؟! فأجاب: لأشتري لحمًا، وبرر ذلك الشراء بأنه اشتهى لحمًا فخرج للسوق ليشتري بعضًا منه، فقال له الفاروق: أكلما اشتهيت شيئًا اشتريته؟! وتلك الجملة الأخيرة بمثابة قاعدة اقتصادية رصينة تدلنا أين الطريق، الطريق أن نمتلك السيطرة على أمزجتنا وشهواتنا لا أن تقودنا هي.