بين تحركات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السياسية والعسكرية والاقتصادية، وبين المواقف الروسية، وأساليب عصابات المافيا المتمثلة في عمليات الاغتيال .. يأتي الحلم الأوروبي المشروع بشأن الحفاظ على الأمن الأوروبي بمنأى عن أي أزمات قد تعصف به في أي لحظة، في ظل المتغيرات العالمية السريعة، وتبدل مواقف الحلفاء، وانقلاب بعضهم الآخر ضد بعض. بشجاعة نادرة وفي مواجهة السياسيات الأمريكية المتقلبة، وكذلك النوايا الروسية غير الآمنة تجاه أوروبا، قدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 26 سبتمبر 2017 مقترحاً بشأن تشكيل مبادرة التدخل الأوروبي أو ما يعرف اختصارًا ب EII وتعني European Intervention Initiative وهي وحدة تدخل سريع أوروبية تهدف إلى حفظ الأمن الأوروبي للدول الأعضاء المشاركة في هذه الوحدة. واجه هذا المقترح في بداياته بعض الصعوبات التي تكمن في حدود وكيفية التدخل السريع، وآلية دعم هذه القوة مالياً. الدول الأعضاء في قوة التدخل السريع :- وافقت تسع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي على إنشاء قوة عسكرية أوروبية للانتشار السريع في أوقات الأزمات بدعم المملكة المتحدة التي تسعى بدورها للحفاظ على العلاقات الدفاعية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. إذ وقعت كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا وإسبانيا والبرتغال وإستونيا على هذه الاتفاقية المشتركة. وفي المقابل تظل إيطاليا مترددة بشأن الدخول في هذه الاتفاقية بسبب اختلاف وجهات النظر بينها وبين بعض الدول الأوروبية بشأن المهاجرين الأفارقة. الأهداف والمهام:- تهدف هذه الوحدة إلى الانتشار السريع ومواجهة التهديدات والمخاطر التي قد تتعرض لها الدول الأوروبية، مثل الكوارث الطبيعية وإجلاء المواطنين الأوروبيين، بالإضافة إلى التدخل العسكري في الأزمات. دوافع إنشاء الوحدة ومؤشرات القلق:- * يأتي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمثابة مؤشر قلق لبقية دول الاتحاد الأوروبي، إذ يعتقد بعض المحللين السياسيين أن الخروج البريطاني من شأنه أن يضغط على أعضاء (EII) بحيث تطلب بريطانيا بعض المزايا الاقتصادية والسياسية في مقابل دعم مثل هذه القوة، خاصة إذا ما علمنا أن الموقف البريطاني تجاه روسيا يعتبر ضعيفاً كونها تقف وحيدة في مواجهة روسيا، وبالتالي قد تجد بريطانيا من خلال هذه الوحدة مزايا غير مباشرة الأمر الذي اعتبره بعض المحللين بمثابة ابتزاز. * مؤشر آخر يدعو للقلق الأوروبي يتمثل في السياسة الروسية تجاه أوروبا، وما يكتنفها من تدخل في الشؤون الأوروبية الداخلية وعلى وجه التحديد الأمنية ومن ذلك ما تم في محاولة عملية اغتيال الجاسوس الروسي السابق (سكريبال) الأمر الذي جعل التفكير في كيفية مواجهة مثل هذه العمليات أمراً حتمياً للدول الأوروبية. فمحاولة الاغتيال هذه قد يتبعها عدة عمليات مشابهة أو مختلفة في الشكل والمضمون، مما قد يجعل من أوروبا مسرحاً للعمليات الإرهابية. * * * الأمر الآخر يتمثل في القلق الأوروبي من عصابات المافيا الروسية وسهولة حصولها على الجنسية الأوروبية في دول فقيرة مثل مالطا، ومن ثم ممارسة غسل الأموال في السوق الأوروبية دون رقيب أو حسيب، وقد يصل الأمر إلى دعم بعض الأحزاب السياسية داخل الحكومات الأوروبية، وهو بمثابة التدخل السافر في الشؤون الأوروبية الداخلية. وبناء عليه فإن إنشاء مثل هذه الوحدة من شأنه الضغط على عصابات المافيا القريبة من صنع القرار الروسي، الأمر الذي سيصعب من وصولها لاحقاً إلى أوروبا من خلال التدخلات في الأنظمة الأوروبية واختراقها للأحزاب السياسية وتلويثها للأنظمة البيئة عبر الإنترنت. * المؤشر الثالث والأكثر أهمية يكمن في مفاجآت السياسة الأمريكية، ففي حين يطلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أوروبا دفع تكاليف الحماية، نجده في المقابل يوجه ضربة اقتصادية كبيرة لبعض الدول الأوروبية من خلال إعلانه خروج الولاياتالمتحدةالأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني، مما كان له أثر اقتصادي سلبي على الشركات الأوروبية التي أبرمت عقوداً استثماريةً ضخمة مع إيران. أمام هذه المعطيات السياسية والاقتصادية كان ولا بد من وجود شجاعة أوروبية للوقوف أمام هذه التقلبات وإعلان إنشاء وحدة التدخل السريع. العنوان العريض والهدف الأساسي لهذه الوحدة كما هو معلن " حماية التخطيط المشترك لأحداث مثل الكوارث الطبيعية، والتدخل في الأزمات وإجلاء المواطنين من مناطق الأزمات الساخنة"، يوضح من جانب آخر غير معلن حجم القلق الأوروبي من كونها واقعة بين المطرقة الأمريكية والسندان الروسي. ——————————————- المراجع 1- مقال للكاتب دانيال بوفي – صحيفة الغارديان البريطانية 25 يونيو 2018 2- مقال للكاتب جي فيرهوفستادت – صحيفة الغارديان البريطانية 22 مارس 2018 Strategic Culture Foundation – 3 4- المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.