ظلت حركة طالبان على مدى أكثر من ثلاثة عقود حديث العالم ومحور اهتمامه، وبيئة خصبة لعقد الشراكات والمصالح بعيدة وقريبة المدى، على الرغم من اختلاف وتغير أطراف هذه الاتفاقيات. ففي العام 1994 أعلنت طالبان إنشاء حركة طالبان الإسلامية وبعد سيطرتها على أجزاء كبيرة من أفغانستان تسلمت مقاليد الحكم وتولت تصريف الأمور في عام 1996 ونالت إثر ذلك اعتراف كل من باكستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كممثل شرعي للبلاد. لاحقاً ونتيجةً للسلوك الذي سارت عليه الحركة والذي يغلبه الطابع الإرهابي، سواء من خلال دعم الجماعات الإرهابية أو من خلال إيوائها لرموز القاعدة وعلى رأسهم أسامة بن لادن، وتفاني الحركة ضد تسليمه للجهات الدولية، مما جعلها تخسر حلفاءها السابقين، إذ أعلنت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قطع العلاقات الدبلوماسية مع حركة طالبان في عام 2001. ورغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين حكومة المملكة والجمهورية الأفغانية ومن يمثلها آنذاك، إلا أن السعودية لم تتخلَّ قط عن دعم القضية الأفغانية والسعي الدؤوب من أجل التسوية السليمة بين الفرقاء الأفغان، حيث سارعت المملكة إلى عقد اللقاءات والمؤتمرات التي تدعو إلى إيجاد حل سلمي للقضية الأفغانية، وجدير بالذكر أن في السعودية أكثر من نصف مليون أفغاني، ولم تتوانَ عن تقديم المساعدات والمعونات للشعب الأفغاني الشقيق. الموقع الجيوسياسي لأفغانستان:- أفغانستان بلد غير ساحلي يبلغ سكانه حوالي 32 مليون نسمة ، مما يجعلها الدولة 42 الأكثر سكانًا في العالم و أما موقعها المتوسط بين الصين من جهة وباكستانوإيران وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان فيجعلها ذات أهمية جيوسياسية في الوقت الذي نشهد فيه حرب تجارية قائمة بين الصينوالولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو ما جعل الرئيس الصيني يدرك جيداً أن الهندوالولاياتالمتحدة تطوران سويا شراكة عسكرية واستراتيجية قوية، وبالتالي يمكن لنيودلهي أن تتحول إلى حليف محتمل لدى واشنطن وطوكيو في مواجهة بكين، وهذا ما سيؤدي إلى وضع الصين كدولة شبه معزولة في الشأن التجاري الحيوي، ليبدأ الرئيس الصيني العمل المشترك مع الهند في المشاريع الاقتصادية في أفغانستان وهو الأمر الذي قلل من مشاعر الخوف والقلق الصينية، حيث أن ذلك يجعل مشاريع البنية التحتية الهندية – الصينية المشتركة تساهم في جذب الهند بشكل غير مباشر، إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة وهو ما يسمى بطريق الحرير والذي سوف يمتد ليشمل أفغانستان. كيف بنت طالبان نفوذها مرة أخرى؟ حركة طالبان منذ سقوطها في 2001 عادت لتقاتل بشراسة لتثبت أنها قوة قتالية هائلة في أفغانستان وتهديد خطير لحكومتها، ووصل التهديد إلى باكستان حيث استطاعت طالبان توسيع نطاق نفوذها على نحو مطرد مما جعل مساحات شاسعة من أفغانستان غير آمنة ليعود العنف في البلاد إلى مستويات لم تشهدها منذ سقوطها. طالبان التي تريد العودة إلى سدة الحكم واجهت جيش أفغانستان المدعوم دولياً الأمر الذي أدى إلى سفك المزيد من الدماء بين الفريقين مما دفع الرئيس الأفغاني أشرف غني في فبراير 2018 إلى عرض إجراء محادثات سلام مع حركة طالبان على أن تتمكن الحركة من أن تصبح حزباً سياسياً إذا وافقت على وقف إطلاق النار واعترفت بدستور العام 2004 حيث جاء عرض الرئيس الأفغاني بحسب قوله بعد "الفتوى التاريخية الصادرة عن مجلس العلماء الأفغان" الذين اعتبروا أن القتال باسم الجهاد في أفغانستان، أمر "غير شرعي" في الإسلام، داعين لعقد مباحثات سلام. وقال: إن "الحكومة الأفغانية تأمر كل قوات الأمن والدفاع بوقف هجماتها ضد حركة طالبان خلال فترة وقف إطلاق النار هذا، لكن العمليات ستتواصل ضد 'داعش‘ والقاعدة والمجموعات الإرهابية الدولية الأخرى"، ومنذ ذلك الحين لم ترد حركة طالبان رسمياً على مبادرته، لكنها واصلت الاعتداءات الدامية مستهدفة بشكل خاص القوات الأمنية والشرطة والجيش منذ بدء شهر رمضان مع مواصلة القتال في عدة ولايات لاسيما في غرب البلاد ووسط شرقها. الرئيس الأفغاني أعاد في 9 يونيو 2018 عرض هدنة وإيقاف إطلاق النار بسبب عيد الفطر المبارك ليأتي بعد يومين من عرض الرئيس الأفغاني إعلان طالبان وقفا لإطلاق النار لمدة ثلاثة أيام مع قوات الأمن الأفغانية خلال عيد الفطر بدأت من 12 يونيو 2018 وهي المرة الأولى منذ 17 عام وإطاحة الحركة بعد تدخل عسكري لتحالف دولي بقيادة الولاياتالمتحدة. الترحيب بهدنة طرفي النزاع في أفغانستان:- ترحيب واسع لاقته الهدنة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، حيث إنها جاءت في الوقت الذي وجد فيه المدنيون أنفسهم في الخط الأول للنزاع المتواصل، بينما يواجه الجيش باستثناء القوات الخاصة صعوبات في رص صفوفه ومن هذا المنطلق تابع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود باهتمام بالغ الهدنة التي تم التوصل إليها بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان خلال أيام عيد الفطر المبارك، وأعرب عن سروره وترحيبه بهذه الخطوة المباركة وتأييده لها، مع أمله أن يتم تجديدها والبناء عليها لفترة أطول ليتسنى لجميع الأطراف العمل على تحقيق السلام للشعب الأفغاني. خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أكد أن الشعب الأفغاني الشقيق الذي عانى كثيراً من ويلات الحروب يتطلع ويتطلع معه العالم الإسلامي، إلى طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة قائمة على التسامح والتصالح ونبذ العنف والمحافظة على حياة الأبرياء استناداً إلى التعاليم الإسلامية العظيمة التي تدعو إلى نبذ الفرقة والتعاون على البر والتقوى والعفو والإصلاح بين الإخوة. ولم يكن البيان السعودي جديداً، إذ أكدت المملكة استمرارها في تقديم المساعدة والدعم لتعزيز الاستقرار والتنمية في أفغانستان، واهتمامها الكبير بتطوير علاقات التعاون مع هذا البلد على مختلف الأصعدة الاقتصادية والثقافية والاستثمارية، وعلى المستويات الثنائية والإقليمية والدولية. ففي عام 2013 وبحسب "وكالة الأنباء السعودية" بذلت حكومة المملكة ولا تزال جهوداً كبيرة لمساعدة ودعم الشعب الأفغاني الشقيق، والوقوف معه لتخطي الصعاب التي واجهها خلال الأعوام الماضية، ودعت في هذا الإطار أطياف الشعب الأفغاني كافة للحوار، باعتباره السبيل الوحيد نحو حل العديد من المصاعب ومواجهة التحديات، وأن ما سبق أن قدمته والتزمت به الرياض لكابول تجاوز 475 مليون دولار، إضافة إلى المساعدات العينية والفنية والأكاديمية. الوضع الراهن للنزاع الأفغاني:- جهود السلام لا تزال محل شد وجذب بين طرفي النزاع الأفغاني، فالحكومة الأفغانية تؤكد على ضرورة اعتراف حركة طالبان بالدستور الأفغاني، ونزع السلاح ومن ثم الجلوس على طاولة المفاوضات، فيما تقول حركة طالبان أن النزاع المسلح لن يتوقف حتى خروج القوات الأجنبية من الأراضي الأفغانية، لذلك لا يمكن الجزم بوجود حل سلمي يلوح بالأفق قريباً، ففي حين أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني عن وقف إطلاق النار، ثم إعلان حركة طالبان بعده بيومين وقف إطلاق النار تزامناً مع عيد الفطر لمدة ثلاثة أيام، جاء لاحقاً في 16 يونيو 2018 إعلان الرئيس الأفغاني تمديد وقف إطلاق النار لمدة أسبوع مع حركة طالبان و لكن لم يستمر صمود هدنة عيد الفطر حيث تزامن هذا الإعلان مع قيام إرهابي ينتمي لداعش في اليوم نفسه بإفساد الهدنة عندما فجّر نفسه في حشد يضم عناصر من طالبان وقوات الأمن ومدنيين كانوا يحتفلون بوقف غير مسبوق لإطلاق النار في أفغانستان وعيد الفطر؛ ما أسفر عن مقتل 20 شخصاً على الأقل، بحسب ما أفادت وكالات الأنباء، لتعلن بعدها "طالبان" رفضها تمديد اتفاقها لوقف إطلاق النار واستئناف القتال. الحرب بالوكالة:- لا يخفى على أي باحث بالشأن الأفغاني، أن هناك أيادي خفية تستفيد من الصراع الأفغاني الأفغاني، فهناك دول قريبة مثل الصينوروسياوباكستانوإيران، ودولة بعيدة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية. فالصين مثلاً تلعب دوراً مهماً في تأكيد علاقاتها بالحكومة الأفغانية، ويتضح الأمر من خلال عمليات الدعم اللوجستي للقوات الأفغانية، والدعم المادي المتمثل في الجوانب الاقتصادية الأخرى. يأتي هذا الدعم من أجل السيطرة على المجموعات الإرهابية التي تخشى الصين من وصولها إليها عبر الحدود الصينية الأفغانية. روسيا أيضاً لها دور كبير في مستنقع الحرب الأفغانية، فعدو الأمس أصبح اليوم صديقاً، ليس من أجل الأفغان أنفسهم بل من أجل الحيلولة دون تمدد النفوذ الأمريكي مما يؤكد الحرب الباردة المستمرة بين البلدين على مرور الأزمنة. باكستان لها نصيب من المعركة الأفغانية الأفغانية، فهي تسعى إلى التعاون مع حكومة صديقة في أفغانستان لتسهيل عمليات التبادل التجاري بينها وبين جمهوريات آسيا الوسطى، ولم تجد بغيتها في حكومة رباني ومسعود التي اتهمتها بالتعاون مع الهند، وحاولت الإطاحة بتلك الحكومة عن طريق حكمتيار لكنها فشلت في ذلك، فلما ظهرت طالبان سارعت باكستان إلى دعهما والتعاون معها، ولا تزال العلاقة قائمة بينهما. أما الولاياتالمتحدة الأميركية فتقاطعت مصالحها مع مصالح طالبان حيث لم تمانع من ظهورها في بداية الأمر ثم سرعان ما اختلفت المصالح بعد ذلك لينقلب الوضع وتصبح من ألد أعدائها، ففي البداية كان للولايات المتحدة رغبة في ضرب الأصولية الأفغانية بأصولية أشد منها حتى تخلو الساحة لجماعة أصولية واحدة تستطيع تطويعها في فلك السياسة الأميركية بعد ذلك، بالإضافة إلى رغبت واشنطن في تشديد الحصار على النفوذ الإيراني ومنعه من التوغل تجاه الشرق لاسيما في جمهوريات آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين التي تحوي أكبر ثاني احتياطي نفطي في العالم بعد الخليج العربي لذلك لم تمانع الولاياتالمتحدة ولم تقف حجر عثرة أمام تقدم طالبان. وفيما يخص إيران جاء في تقرير لصحيفة "وال ستريت"، في يونيو 2015، أفاد أن طهران قد زادت من إمداداتها من التمويلات والأسلحة لصالح حركة طالبان ووصل بها الدعم إلى انتداب وتدريب مقاتليها بالإضافة إلى ذلك، قام وفد من حركة طالبان، في مايو 2015، بقيادة محمد طيب أغا، الذي يعتبر مقربًا جدًا من الملا عمر، بزيارة إلى إيران وأجرى محادثات مع القادة الإيرانيين.