” السلفيّةُ ” نسبة أخذت من كلمة مادّتها تدل على ما مضى ، وشاهدها من القُرآن في قول الله عز وجل { قُل للّذينَ كَفروا إنْ ينتهوا يغفر لَهُم ما قَد سَلف } ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام لابنته فاطمة رضي الله عنها : فإنه : نعم السلف أنا لكِ . رواه مسلم . ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم سلفه الأنبياء قبله { أولئِكَ الذينَ هَداهُم اللهُ فبِهداهُمُ اقتَدهْ } وسلف هذه الأمّة هم من ذكرهم ربنا في قوله { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والين اتبعوهم بإحسان ، رضي الله عنهم ورضوا عنه } . إذاً مدار هذه النسبة حول الاقتداء والاتباع ، وتحقيق هذا الاتباع والاقتداء لا يتحقق فقط بالنسبة إذ إن النسبة “سلفي ” و “سلفية ” متنازع في صحة اطلاقها واقعيا فقد كان أئمة هذا الدين وكبارهم والمحققون من علماء هذه الأمة اكتفوا بنسبتهم الى هذا الدين العظيم ” الإسلام” وتأطروا في دائرة أشار إليها رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم في غير ما حديث ” أهل السنّة ” وقد كانت هذه النسبة كافية لمَن ابتلوا بأشد مما ابتلينا به من الفِرَق التي تنخر في الإسلام صُراحا ، وحيث رأى بعض المتأخرين المعاصرين لزامًا تقييد الاتباع بكلمة ” السلفية ” فقد شذ كثيرٌ من أدعياء السلفية عن فهم منهج السلف وحسبوا أن منهج السلف هو : التكفير ، والتبديع ، والتفسيق ، والهجر ، وتضييق منافذ العقل . والحق أن السلفية هي الإسلام ، ويبقى الإسلام هو الدين الواسع الشامل لكل أبنائه ، الحريص على جمع كلمتهم ، وتوحيد صفهم ، ورص بنيانهم ، وعدم تفرقهم ، أو تحزبهم ، أو تصويب سهامهم إلى صدورهم ، فهو دين الرحمة { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } . ولم يكن السلف رحمهم الله قد أتوا بمنهج جديد ، لكن أظهروا ثباتهم وتمسكهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم ، ممتثلين قوله صلى الله عليه وآله وسلم : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي . وسلفنا الصالح رضي الله عنهم إنما المعصومٌ إجماعهم ، وخلافهم يدل على سعة فهمٍ لهذا الدين . كما نص على ذلك غير واحد من أهل العلم . و” السلفية الحقيقة ” هي التي تنسب إلى عموم السلف ومنهجهم لا إلى آحادهم وأفرادهم , ذلك أن كثيراً من المنتسبين إلى السلفية يذهبون الى الآراء الفردية والاجتهادية التي قد تكون في كثير من الأحيان واقعة عين ، أو خطأ مردودا ، فيجعلون ذلك هو السلفية ومن خالفه فهو المبتدع الزائغ الزنديق . إن السلفية تعني النظر الى منهج السلف من كامل جوانبه ، أدباً ، وتعاملاً ، وعقيدةً ، وفقهاً ، واختلافاً ، والأخذ بمرادهم والاشتراك معهم في تحقيق الاتباع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد يقعّد السلف لنا قاعدة بفعل أو رأي والمراد منه التنبيه على أن هذا الدين دين متجدد في تعامله مع كل عصر وواقعة . ولم يُرد السلف منا الجمود على آراء أفراد منهم إنما المراد هو الأخذ بعموم المنهج لا بآحاد الآراء . وهنا تظهر صحة الانتساب في واسع النظرة الى المراد لا إلى تحجير وتجميد العقل في فعل أو رأي ، فليس من اللازم الواجب هذا الانتساب وإنما احتيج اليه للفصل بين مدعي الاتباع والتدين وبين غيرهم ، لكن عند كثير من الأدعياء أصبحت هذا النسبة كذات أنواط ، يعلقون عليها من يوافقهم ويبعدون عنها من خالفهم . ونقطة مهمة للغاية ينبغي بيانها ، وهي أن اعتبار السلف والاقتداء بهم لا يعني بحال نسف جهود الخلف واطراح علمهم ، فإن الخلف بوابتنا للسلف . فنعم الخلف لمن سلف .