أرجعت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أسبابَ قبول المملكة، متمثلة في الحكومة، لتسوية الأوضاع المالية للأمراء والمسؤولين الموقوفين بتهم الفساد على ذمة قضايا جارٍ التحقيق فيها، إلى رغبتها في استرجاع الأموال المنهوبة من البلاد على مدار عقود من الزمان، لافتة إلى أن السبب الرئيسي وراء الحملة خلال الشهر الجاري، كان استرجاع الحقوق المالية للمملكة . وأشارت الصحيفة الأميركية، والتي أولت اهتمامًا واضحًا بالشأن السعودي على مدار الفترة الماضية، إلى أن عدداً من المسؤولين السعوديين والأجانب، أكدوا أن الغرض الرئيسي من الحملة ضد الفساد، والتي انطلقت في وقت سابق من نوفمبر الجاري، كان استرجاع الأموال والأصول التي تحصَّل عليها الأمراء والمسؤولون بطرق غير مشروعة، والتي يبلغ حجمها مئات المليارات في صورة حسابات بنكية وأموال سائلة وأصول متراكمة داخل المملكة وخارجها. ولفتت إلى أن الإفراج عن أمير ضمن إجراءات التسوية المالية مع الموقوفين، والتي كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد أعلن عنها، خلال حواره مع كاتب نيويورك تايمز، توماس فريدمان الأسبوع الماضي، تعد إشارةً واضحة إلى رغبة الحكومة في المملكة إلى الاتجاه بسرعة إلى حل القضايا مع المسؤولين والأمراء المتهمين بالفساد، والذين تم توقيفهم مطلع الشهر الجاري، والتحفظ عليهم داخل أروقة منتج ريتز كارلتون الفاخر بالرياض. وأكدت أن التسوية المالية مع الأمراء الموقوفين كانت خياراً موفقاً ، خاصة وأنها تضمن للمملكة الاستفادة من الأموال المنهوبة عن طريق التراضي، ومن ثم إتاحة الفرصة أيضًا لرجال الأعمال والأمراء الموقوفين من إعادة توظيف أموالهم في المملكة مجددًا، وهو ما يضمن استفادةً كبرى على كافة المستويات الاقتصادية. وقالت الصحيفة، وفقًا لمتخصصين في مجالات البنوك: "إن تسوية الأوضاع المالية مع الأمراء والمسؤولين الموقوفين ينسف طموحات البنوك والمصارف الأجنبية، والتي يمتلك الموقوفون حسابات بنكية ضخمة فيها، من الاستفادة بأموالهم حال تجميدها عبر قرار من المحكمة”، مشيرة إلى أن “تلك الطريقة تضمن استمرار تحكّم الأمراء والمسؤولين في حساباتهم، ومن ثم تفعيل إمكانية التصالح مقابل استرداد الأموال المنهوبة من المملكة”. وعلى مستوى الاستفادة المالية من حسابات الأمراء والمسؤولين في الخارج، قالت “نيويورك تايمز” -اعتماداً على آراء متخصصين- إن “البنوك والمصارف الخارجية التي تضم حساباتهم يمكنها أن تقوم بتوظيف أموالهم عن طريق الإقراض والتوظيف الاستثماري في صورة مشروعات تخدم اقتصاد بلادها، وذلك لكونها مدرجة ضمن ESCROW ACCOUNT، وهي أنواع من الحسابات البنكية تسمح للمؤسسات المالية توظيفها وتحقيق عائد ربحي كبير من استثماراتها الاقتصادية في الداخل والخارج”. وبحسب مسؤول أميركي، قال: “هناك أمير بارز تعهد بتسوية أوضاعه المالية بعد إعادة 4 مليارات دولار للدولة، وبجانب ذلك رفعت الحكومة الحظر على 600 حساب تقريبًا لذوي الأمراء والمسؤولين الموقوفين، كما أفرجت عن متهمين آخرين كانوا ضمن حملتها ضد الفساد”. يُذكر أن تقريراً إعلامياً كان قد كشف أن أميرا هو أول المتمِّمين لعملية التسوية، بعد أن تم توقيفه في وقت سابق من هذا الشهر على ذمة قضايا فساد مالي في المملكة، مشيرًا إلى أنه وافق على إرجاع مليار دولار إلى الحكومة نظير إطلاق سراحه وإسقاط تهم الفساد الموجهة إليه ضمن الحملة التي تقودها المملكة ضد الفساد والتلاعب المالي في البلاد، ليبلغ إجمالي الأموال المستردة حتى الآن 5 مليارات دولار. وفي هذا السياق، رأى الكاتب عبد الرحمن اللاحم، أن “التصالح هو الهدف من المحاكمة وليس تطبيق العقوبة في حد ذاتها، مع اختلاف التشبيه بين محاكمة شخص في جريمة سرقة تتضمن حقاً خاصاً”.