«الشاويش علي عبد الله صالح الذي أصبح بانقلاب رئيسًا لليمن؛ وما بيعرفش يفك الخط مش عاجبه سياسة السادات وموقف مصر؛ سيعرف العرب يومًا حقيقة صالح».. هكذا تحدث الرئيس المصري الراحل أنور السادات سنة 1980، وبعد عقود رصدنا خلالها علاقات صالح بدول الجوار ودعمه صدام أثناء احتلال الكويت، وغدره أثناء حرب اليمن بالتسعينات، وأخيرًا تحالفه مع إيران وأذنابها الحوثيين، وانقلابه على السعودية بعدما أنقذته من الموت المحقق ، كلها مشاهد تؤكد بصيرة السادات السياسية الثاقبة. وفي تطورات الأحداث بالمشهد اليمني والتصعيد بين الأعدقاء «صالح والحوثيين» بدءًا بحشود واشتباكات أفضت لحالة حبس أنفاس أهالي العاصمة خشية انفجار الأوضاع؛ خاصة في ظل المخزون الهائل لأسلحة الطرفين اللذين وصل بهما الحال لدرجة يشعر كلاهما إزاء الآخر أنه يتأهب لمعركة تقرير مصير تتداخلت بحساباتها اعتبارات معقدة أبرزها الحشود القبلية المسلحة التي تشكل رمانة الميزان لحسم الطرف الذي سيصطف بجانبه. وجاء إعلان «الحوثيين» وصالح بالتوصل لتفاهمات ليعيد أوضاع صنعاء لما كانت عليه قبيل 24 أغسطس 2017، ووفق مراقبين فإن الاتفاق وإن كان قد امتص التوتر الأمني الحاد بذروته التي كانت على وشك إشعال البلاد بدوامة فوضى، لكنه لن يعيد علاقات الجانبين لسابق عهدها، بالنظر للشرخ العميق الذي خلفته المواجهات والتراشق اللفظي والميداني ، وهنا يقول خبير أمني إن الحوثيين يسعون إلى «إسقاط المدخل الجنوبيلصنعاء والسيطرة عليه ليبسطوا سيطرتهم على العاصمة ويقصون أتباع صالح من مواقعهم»، وحول جديد الخلافات بين طرفي الانقلاب في اليمن، اعتبر أن الحوثيين «باتوا يسيطرون على صنعاء وطوقوها بنسبة 70%، خصوصاً بمناطق الشمال والغرب والشرق، وتنحصر سيطرة أتباع صالح بالمداخل الجنوبية للمدينة فقط». ووصفت مصادر دبلوماسية يمنية اتفاق التفاهم بأنه «سيزيل أسباب التوتر التي شهدتها صنعاء مؤخرًا، وسيُعيد الأوضاع الأمنية لحالتها الطبيعية قبل استعراض القوة والاشتباكات، وعدم استباق نتائج التحقيقات الجارية بشأن الاشتباكات بين مرافقي صلاح نجل صالح ونقطة أمينة تابعة للحوثيين جنوبصنعاء أسفرت عن مصرع ثلاثة من عناصر النقطة وضابط رفيع بالقوات الموالية لصالح (العقيد خالد الرضي) وجَرح آخرين، وهو ما نتج عنه توتر استدعى تعزيزات الطرفين أغلقت عقبها معظم شوارع العاصمة، وأمست الأوضاع قاب قوسين أو أدنى من الانفجار والانفلات الفوضوي. وفي أول ظهور عقب الصدامات، قال صالح بخطاب مقتضب ألقاه لدى حضوره عزاء خالد الرضي بصنعاء، إنه يحمّل المجلس السياسي والحكومة وهما كيانان انقلابيان مسؤولية الاحتقان، وفقًا لحزب «المؤتمر الشعبي» بصفحته الإلكترونية. أزمة ثقة سلسلة لقاءات ووساطات بين قيادات الطرفين لم تحسم الأزمات بينهما، لهذا جاء البيان مؤكداً «استمرار اللقاءات بين قيادة المكونات لوضع الحلول والمقترحات الإعلامية والسياسية وتوحيد كافة الجهود لمواجهة العدوان (التحالف والقوات الموالية للرئيس هادي) وتوحيد الجبهة الداخلية ، ووفقًا لمنشور هشام الرضي شقيق الضابط الموالي لصالح والذي قتل بالاشتباكات؛ وقام بعض كبار قيادات الحوثيين ممثلة بصالح الصماد، رئيس المجلس السياسي الذي يدير مناطق نفوذ الحوثيين وصالح ومعه نائبه (ممثل المؤتمر) قاسم لبوزة، ومحمد علي الحوثي بزيارة منزل الرضي (القتيل) للعزاء، وفحوى رسالة الزيارة تغليب مصلحة الوطن العليا فوق الجميع وعودة الأمور إلى طبيعتها بين المؤتمر والحوثيين. لكنّ «رؤوساً حامية» وتيارات متشددة متنفذة بالفريقين، تؤجج النيران وتتجاوز الدعوات التصالحية التي يقترحها الصماد، ورئيس مجلس النواب يحيى الراعي، لكن استمرار حضور صقور الجانبين وسط أزمة الثقة يتسبب بدفع الخلافات لنقطة اللاعودة، فضلاً عن القلق المتصاعد والمتبادل، فيتوجس «الحوثيون» خشية مؤامرات انقلابية اعتادها صالح، فاتهمته باستغلال احتفالية عيد تأسيس حزبه لإعلان قبوله بمبادرة إماراتية، ووقف الحرب، لهذا يتصرف «الحوثيون» باعتبارها محاولة انقلابية، لا سيما أنّ مسؤوليها يشكون من أنّ رجال صالح بدأوا التمهيد من خلال تحميل «الحوثيين» مسؤولية الفشل بإدارة الحياة اليومية للشعب واتهموه بالسعي خلال الشهرين الماضيين لأحلاف قبلية وعشائرية بإغراءات مالية لضمان تأييدهم مبادرة الوفاق السياسي. مصادر «المؤتمر» فندت تلك الرؤية وإن اعترفت بوجود أفكار واتصالات خارجية، لكنها تنفي عقد صفقات منفردة تستبعد «الحوثيين»، مؤكدة وحدة الموقف بوفد مشترك يضم «المؤتمر» و«الحوثيين» لأيّ مفاوضات بشأن مستقبل الشأن اليمني فاستجابوا مع الوساطات الداعية لتخفيف الاحتفالية وإلغاء الخطب واعتماد نبرة تصالحية، لكن المؤكد تلاشي الثقة وانهيار التحالف وسط فراغ سياسي واستقطاب اجتماعي يُنذر بعواقب وخيمة. ووفقًا لمصدر سياسي يمني، فربما أعاد «الحوثيون» قراءة الأحداث الأخيرة بعمق ورأوا أن مهادنة صالح تصب في صالحهم لأن خسارتهم ستكون فادحة بمواجهته، مرجحًا عدم استبعاد إعادة «الحوثيين» النظر بآليات الشراكة مع صالح، انطلاقاً مما صار عليه إيمانهم بقوته بالساحة التي ظلوا يتجاهلونها حتى قبيل 24 أغسطس وإن كانوا لن يأمنوا جانبه، وستظل أعينهم مفتوحة توجسًا من ألاعيبه الشهيرة، لهذا فصمود هذا التفاهم على الأرض سيؤكده استكمال الاتفاق بالقضايا الخلافية التي كانت قائمة قبيل استعراضات 24 أغسطس 2017 لتعزيز استعادة الثقة بينهما على صعيد معالجة وضع شراكتهما وإدارتهما للمناطق الخاضعة لسيطرتهما. ووقع حزب المؤتمر الشعبي العام برئاسة صالح في يوليو 2016 اتفاق شراكة مع «الحوثيين» لإدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهما منذ اجتياحها في سبتمبر 2014، وتسببت الحرب الدائرة باليمن بين القوات الموالية للرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي مستنداً للتحالف العربي وبين مسلحي «الحوثيين» والقوات الموالية لصالح منذ أكثر من عامين ونصف العام بأزمة إنسانية تتفاقم بالبلد الأفقر والأكثر فوضوية وتعقيدًا بالشرق الأوسط. صالح : سيرة ذاتية استهل حياته كضابط صف تلقى تعليمًا متواضعًا، استطاع علي عبد الله صالح أن يُصبح بعمر السادسة والثلاثين رئيسًا لليمن الشمالي، وفي 1990 رئيسًا لليمن بشطريه، ليمضي 33 عامًا بالحكم على طريقة «الرقص على رؤوس الثعابين» وفقًا لتعبيره الشائع بأنها الطريقة المثلى لإدارة اليمن، وإن كانت تواجه حاليًا أزمة وجودية، أشعلتها الاحتجاجات الشعبية التي استلهمت الانتفاضات بعدة بلدان عربية. وطيلة ثلاثة عقود حكم صالح دولة فقيرة شهدت حروبًا أهلية وصراعات قبلية ومواجهات مع الجهاديين، بالإضافة لتردي الأوضاع الاقتصادية التي تجاوزت ثلثي سكانها (يعيشون بدولارين يوميًا) وفشل طيلة حكمه بتوفير الاحتياجات الأساسية للشعب، وتراجعت ثروته النفطية ونضبت مياهه ويبقى فقيرًا رغم بداية تصديره للغاز الطبيعي المسال منذ 2009. وكثيرًا ما يتباهى صالح بدهائه وإبرامه التحالفات والانقلاب عليها وفقًا لبوصلة مصالحه وبطانته، ويظن أن بوسعه ممارسة سياسة تضليل الأميركيين والخليجيين وكافة الأطراف الإقليمية تتصدرها إيران، وداخليًا يتقن خداع القيادات السياسية والحزبية والقبلية ليظل حاكمًا لبلد التناقضات والاستقطابات الحادة، وتعلم صالح طوال العقود الماضية أنّ حكم اليمن يقتضي استخدام التوازنات بين القوى الفاعلة بالمجتمع، واحتواء الشخصيات المؤثرة بأجهزة الدولة، وربطها بمصالح يصفها المراقبون بالأساور الحريرية، وأنه عندما تندلع أزمة باليمن فابحث عن صالح ستجده خلفها بصفقة سياسية تتسم غالبًا بالسّرية والبرجماتية، وسيستمر بتخريب اليمن بمحاولات مستميتة للعودة للحكم، فتحالف مع الحوثيين والإيرانيين وقرروا تخريب الوضع وإسقاط النظام الجديد والعودة لمرحلة ما قبل فبراير (2012) وإثارة القلاقل لجيرانه السعوديين ليتحول اليمن بعهد صالح لأكبر الملاذات الآمنة للتنظيمات الإرهابية وأخيرًا للإيرانيين ووكلائهم «الحوثيين» الذين شرخت ممارساتهم حيال أطياف اليمنيين النسيج المجتمعي، وغذت النعرات الطائفية، واستهلوا مشروعهم المشبوه بإجلاء أهالي منطقة «دمّاج» بصعدة في 15 يناير 2014، لانتسابهم للتيار السلفي واتباعهم للشيخ الراحل مقبل الوادعي. ويُنظر لصالح بوصفه عرّاب المؤامرات باليمن، وأحدثها تحالفه مع إيران الساعية لاختطاف اليمن والعراق وسوريا ولبنان بتحريضها الطائفي، وإشعال الحروب الأهلية، واستأجر الحرس الثوري الفارسي جزرًا متاخمة لليمن وحولها لمراكز تدريب لمجموعات خليجية لتدريبها عسكريًا وتسليحها ليتغلغلوا بطريقة الحوثيين لتسقط الدولة اليمنية بقبضة الملالي كالعراق وسوريا ولبنان.