كنت في ريعان شبابي يأسرني قول الشاعر العربي أبو فراس الحمداني : وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا ************ لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القَبرُ وكنت أرى التوسط غير محمود ، حيث هو مكان الدهماء من الناس ، الذين لا راية لهم ولا سؤدد عندهم ، وتمر الأعوام تدفن بعضها بعضا ، تمتطي الأيام صهوة الأيام ، لتختبرنا قبل أن تعلمنا ، فأكتشفت أن أبا فراس لم يكن حكيما في قوله هذا ، وهذه عادة بعض الشعراء الذين يرون أن أعذب الشعر أكذبه . تذكرت هذا القول وانا اتمعن فضل الوسطية في كل شيء وأنها تمام الفضل ، وشوكة العدل ، فكما قال الحكماء عنها بأنها فضيلة بين رذيلتين ، فالشجاعة حالة وسط بين التهور والجبن ، والكرم هو حالة وسط بين التقتير والتبذير ، أما التطرّف في المشاعر والمواقف فليس من الفضائل بحال. والإسلام جاء ليتمم مكارم الأخلاق فكان كاملاً بوسطيته وامتدح الله هذه الأمة في قوله سبحانه : ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) . ولقد برهنت الأحداث والتجارب ان التطرّف بنهج التشدد والغُلو ، أو التفريط بالإهمال ، لا يؤديانلخير حتى في أمور الدين ، وما ضَل الضالون ، ومرق المارقون ، إلا باتباعهم منهج التطرّف ، ونبذهم الاعتدال ، فخسروا دينهم ودنياهم ، ولو تأملنا آيات القرآن الكريم لوجدنا انها تمتدح الوسطية ، ومن ذلك قول الحق سبحانه ( قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ) وأوسط الشيء أكمله ، وأجمله ، كما هي واسطة العقد حيث تكون اجمل ما فيه قال الشاعر بن الرومي في رثاء ابنه : توخى حمام الموت أوسط صبيتي *** فلله كيف اختار واسطة العقدِ والوسطية هي الإطار الذي ينبثق منه السلام ، وهي أسلوبه ، ولقد أوضح بيان هيئة كبار العلماء في المملكة، أن السلام تحث عليه الشريعة الإسلامية وتؤكد عليه، فالإسلام دين السلام الذي ما جاء إلا رحمة للعالمين، وهو يؤسس لكل ما من شأنه رعاية مصالح البشر على قاعدة العدل والإحسان.