أناروا حياتنا منذ اللحظة التي خرجوا منها إلى الدنيا يبكون، رسموا على وجوهنا أجمل الابتسامات فرحًا بقدومهم، نسينا وتناسينا جميع الآلام، أصبح التفكير فقط لهم، وأصبحت الحياة متعلقة بوجودهم، نحلم ونخطط لأجمل مستقبل نسعى لتحقيقه لهم. في كل يوم فيه ينمون تنمو معه أحلامنا بهم، مرحهم وشقاوتهم تمحو ما نشعر بهم من إرهاق ومتاعب أجبرتنا طموحنا على خوضها لمستقبلهم. وانطلقوا إلى الدنيا بأحلام تنمو مع نموهم، وبدؤوها بالشقاوة، وبراءة الابتسامة، والأحاديث المشوقة التي تبعث السعادة، تصوروا الحياة بجمال صورهم، اعتقدوا أنها مليئة فقط بالسعادة وأن كل من خلق عليها تملأ قلوبهم الرحمة والطيبة، إلا أنهم صدموا بوحوش ليست حيوانيه بل هي أبشع من ذلك بكثير، وهي عندما يصبح من فضّله الله على كثير من خلقه بالعقل والرحمة أقبح وأبشع مخلوقات الله يتبع غرائزه الشيطانية ليفرغها في زهور الحياة. ولم يتخيل أحدهم في الوقت الذي يستمتع فيه أطفالنا سواء في البيت أو المدرسة أو في الحديقة أنه يجب عليه أخذ الحيطة والحذر، لأنه ربما يكون فريسه لوحش بشري يتبع شهوته، فبراءة الطفولة قد يستدرجه هذا الذئب بعدة طرق ليكون ضحية بين يدي من نُزع من قلبه الرحمة والرأفة. اعتداءات أصبحت تتكرر: أصبحنا نسمع بين الحين والآخر عن اختفاء للأطفال في عدد من مناطق المملكة لنكتشف بعد أن يتم العثور عليهم بأن هناك من كان وراء عملية الاختفاء، وهو شخص استدرجهم وأغراهم ببعض ما يحبون، وربما اختطفهم بالقوة ليفعل الفاحشة بهم ويقتل براءتهم ويصيب ذويهم بالحسرة والقهر. وقصص كثيرة سمعنا بها وتداولها الإعلام والمجتمع حتى أصبحت تشكل هاجسًا على قلب كل أبٍ وأمٍّ خوفًا من أن ينال هؤلاء الوحوش من فلذات أكبادهم. حوادث صادمة: والكل يتذكر مغتصب القاصرات في مدينة جدة والجرم الفاحش الذي ارتكبه بحق العديد من الفتيات التي لم يتجاوز عمر أكبرهن التسعة أعوام وما سبّبه من الرعب لأهالي مدينة جدة؛ نتيجة تصيده للقاصرات، وبتضافر جهود الجهات الأمنية وتكثيف عمليات البحث وجمع المعلومات والاستماع لإفادات الضحايا، والتي كانت آخرهم طفلة لم تتجاوز 7 أعوام حددت أوصاف الجاني، وكذلك أسلوبه الذي استخدمه معها، بالإضافة أوصاف المنزل وما يحوي من مقتنيات، والتي كانت متطابقة مع الأوصاف التي سجلوها الضحايا السابقون لتثبت أن الجاني هو شخص واحد، حيث تم إيقافه أمام المنزل وتسليمه لإدارة التحريات والبحث الجنائي، ليعترف بتورطه في الجرائم من خلال الأدلة التي تم جمعها ضد الضحية وتحاليل الحمض التي أثبتت تطابقها مع المجرم. حادثة نجران : ولم تكن هذه القصة هي الأخيرة التي تهز المملكة في جميع مدنها، ففي اليومين الماضيين وبالتحديد السبت الماضي أصاب الرعب والذعر منطقة نجران ليس خوفًا من شخص يتمتع بالقوة، وإنما خوفًا من شخص يتمتع بالخسة والدناءة وانعدام الرحمة لفعل ارتكبه وحش إنساني بحق طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره بعد أن تم اختطافه لفعل الفاحشة به، ليتمكن رجال إدارة التحريات والبحث الجنائي بشرطة منطقة نجران، بعد تكثيف علميات البحث إلى تحديد موقع سيارة الجاني ومقر سكنه ليتم القبض عليه بعد أن حاول الفرار بفعلته الشنيعة. وأكد الناطق الإعلامي بشرطة منطقة نجران النقيب، عبدالله محمد العشوي، بأنه تم إيداع الجاني التوقيف لحين استكمال إجراءات التحقيق وعرضه للمحاكمة من قبل جهة الاختصاص. تفاصيل الحادثة: وعن تفاصيل الحادثة حكى خال الطفل "م . ح" في تصريح إلى "المواطن" كافة التفاصيل ومحاولة الاعتداء على الطفل. وأكد خال الطفل "م . ح " أن الطفل الذي تعرض للاعتداء ذهب مع شقيقه الصغير الذي يبلغ من العمر سبع سنوات إلى السوبر ماركت الذي يقع بالقرب من منزلهم ليشتروا بعض الأغراض. وأضاف: "بعد الشراء قاموا بالجلوس بجوار السوبر ماركت لدقائق قليلة، بعدها توجهوا إلى المنزل، وبينما هم في الطريق إلى المنزل وعند عبورهم لشارع مظلم قام الجاني بالإمساك بالطفل الصغير في محاوله لاختطافه؛ مما دفع شقيقه الأكبر إلى الصراخ مع محاولات في التغلب على عمره الصغير بالدفاع عن شقيقه بضرب الجاني بيديه الصغيرتين لإنقاذ شقيقه". وتابع: "قام بعدها الجاني بالإمساك بالشقيق الأكبر وإركابه السيارة بالقوة وتتعالى أصوات الأطفال بالصراخ الممزوج بالخوف مع رمي بعض الحجار من قبل الشقيق الأصغر على سيارة المعتدي؛ مما اضطره إلى ترك الطفل ليلوذ بالفرار خوفًا من أن يشاهده أحد، إلا أن كاميرا المراقبة الموجودة في الحي مكنتنا من تحديد صفات السيارة والتي ساعدت الجهات الأمنية في القبض على الجاني. ولفت خال الطفل "م .ح" بأنه تم تحويل الطفل إلى الطبيب الشرعي لتثبت الفحوصات عدم تعرضه إلى الإيذاء. الاعتداء الجنسي "سلوك شاذ ومنحرف": وبين أستاذ الإرشاد النفسي المشارك بجامعة نجران الدكتور حسن إدريس الصميلي، أن الاعتداء الجنسي سلوك خبيث ترفضه المجتمعات البشرية إدراكًا لأثاره المتعددة نفسيًّا وصحيًّا واجتماعيًّا على المعتدى عليه وعلى أسرته والمجتمع، وعند النظر الى هذا السلوك من الجانب النفسي فإن هناك إجماعًا من المتخصصين في مجال الدراسات النفسية على النظر إليه كسلوك شاذ وأن من يقدم عليه وخاصة المعتدي على الأطفال هو شخص مضطرب نفسيًّا يعاني من تأزم النفسية. ولفت إلى أن هذا ما أثبتته العديد من الدراسات والأبحاث التي تناولت هذه الظاهرة، حيث أكدت أن الشخص عندما يقدم على الاعتداء الجنسي خاصة على الأطفال فهو يكون في حالة تتجسد فيها ملامح العدوانية والتمرد على المعايير الدينية والقيم الاخلاقية وأضاف الصميلي، أن شخصية المعتدي هي شخصية تصنف في إطار السيكوباتية وهي شخصية تظهر ملامحها في الخطورة المتمثلة في محاولة السيطرة على الآخرين وإيذائهم حتى ولو لم يحقق أي فائدة سوى محاولة إيقاع الأذى والضرر على الجوانب الجسدية والنفسية فهو شخص تبدو عليه ملامح شخصية تتمثل في الكذب واختلاق الأعذار التي يبرر بها أفعاله المشينة والمرفوضة من المجتمع. العوامل التي تدفع المعتدي إلى فعل ذلك: وعزا الصميلي الأسباب والعوامل التي تدفع المعتدي إلى القيام بمثل هذا العمل المشين إلى جملة من السمات الشخصية حيث تظهر لديه النزعة إلى الإقدام على السلوكيات العدوانية المرفوضة دينيًّا واجتماعيًّا، وهذه السمات تتشكل في بنية الشخصية منذ مراحل مبكرة من العمر من خلال العوامل الوراثية والبيئية، بالإضافة إلى المكونات الثقافية والاجتماعية التي يعيش فيها الشخص والمدى الذي يلتزم فيه بالتوجيهات الدينية ومنظومة القيم الدينية والاجتماعية وسيادة المعايير الأخلاقية ومحددات القبول والرفض، إلى جانب السياق اللحظي الذي يتواجد فيه الأشخاص الذين يقدمون على القيام بمثل هذه السلوكيات فذلك قد يشكل محركًا قويًّا وفاعلًا وفرصة سانحة للإقدام على ذلك. أضف الى ذلك هناك عامل له من الأهمية بمكان ويعد من الأسباب التي تدفع المعتدي على الأطفال إلى تنفيذ رغباته وهو أن شخصية المعتدي تعلم أن الأطفال صغار السن ضعيفي الحيلة وغير قادرون على المقاومة، كما أنهم غير مدركين لممارسات سلوكية خبيثة ومن السهولة إغوائهم؛ ولذلك فهم يستغلون براءتهم لتحقيق رغباتهم الخبيثة. أساليب خاطئة وغيابات توعوية: كما أشار الصميلي إلى أن تكرار هذه الأفعال المشينة يدفعنا إلى التساؤل عن المسؤولية في حماية هؤلاء الأطفال حرصًا على رعايتهم الرعاية السليمة ليصبحوا أسوياء عندما يكبرون، ثم تعرض إلى عدد من الأسباب التي قد توقعهم في مثل هذه المخاطر، كالأساليب التربوية الخاطئة التي قد تتجاهل الأهمية في تربية الأبناء التربية الدينية الصحيحة القائمة على مخافة الله والالتزام باتباع الأوامر واجتناب النواهي وزرع السلوكيات الحميدة في نفوس الأبناء منذ بواكير الطفولة. ورأى أن هناك غيابًا لأدوار وسائط التنشئة الاجتماعية عن توعية المجتمع كخطورة الاعتداء على الأطفال من النواحي النفسية والصحية والاجتماعية والتي تتطلب تحركًا فاعلًا، خاصة من المؤسسات التربوية والإعلامية في الجوانب الوقائية والتركيز عليها بشكل أكبر؛ لأن الوقاية خير من العلاج، إضافة إلى عدم تفعيل الأنظمة الراعية للأطفال في كثير من محاورها وبنودها كما نصت عليه مشاريع رعاية الطفولة وحقوقهم بالشكل المطلوب.