ثنائية رونالدو تقود النصر للفوز على ضمك    القادسية يهزم الخليج في «الوقت القاتل» برأسية العثمان    ضبط إثيوبي في عسير لتهريبه (67800) قرص خاضع لنظام التداول الطبي    الجيش السوري يستعيد السيطرة على مواقع بريفي حلب وإدلب    ابن مشيعل يحصل على درجة الدكتوراة    «هيئة النقل» تؤكد منع عمل الشاحنات الأجنبية المخالفة للنقل بين مدن المملكة    السعودية تتسلّم مواطنًا مطلوبًا دوليًا في قضايا فساد مالي وإداري من روسيا الاتحادية    خطيب المسجد النبوي: السجود ملجأ إلى الله وعلاج للقلوب وتفريج للهموم    والد الأديب سهم الدعجاني في ذمة الله    «الأونروا»: أعنف قصف على غزة منذ الحرب العالمية الثانية    الشؤون الإسلامية تطلق الدورة التأهلية لمنسوبي المساجد    وكيل إمارة جازان للشؤون الأمنية يفتتح البرنامج الدعوي "المخدرات عدو التنمية"    خطيب المسجد الحرام: أعظمِ أعمالِ البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة    وزارة الرياضة تُعلن تفاصيل النسخة السادسة من رالي داكار السعودية 2025    المياه الوطنية و sirar by stcيتفقان على تعزيز شبكة التكنولوجيا التشغيلية في البنية التحتية لقطاع المياه    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    العروبة يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    الاستدامة المالية    بالله نحسدك على ايش؟!    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    كابوس نيشيمورا !    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ المعيقلي من الحرم المكي: اقضوا على بوادر الاختلاف في مهدها
نشر في المواطن يوم 14 - 04 - 2017

أوصى فضيلة إمام و خطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي، المسلمين بتقوى الله حق تقاته والاعتصام بحبل الله وعدم التفرق.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم، لَقَدْ بَعَثَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْبِيَاءَهُ، لِإِقَامَةِ الدِّينِ وَاْلأُلْفَةِ وَالجَمَاعَةِ، وَتَرْكِ الفُرْقَةِ وَالمُخَالَفَةِ: (( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ))، فَلِذَا كَانَ مِنْ أَوْلَوِيَّاتِ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِيْنَ وَطِئَتْ قَدَمُهُ الشَّرِيفَةُ المَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ، بِنَاءُ مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَالمُؤَاخَاةُ بَينَ المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَانْتَقَلَ النَّاسُ مِنَ العَدَاوَةِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، إِلَى الأُلْفَةِ فِي الإِسْلَامِ، وَأَصْبَحَ غُرَبَاءُ الدَّارِ إِخْوَةً لِلْأَنْصَارِ، يُقَاسِمُونَهُمْ دُوْرَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، (( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى? أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ? وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَ?ئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )).
وأضاف قائلا: َلَمْ يَكْتَفِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ، بِتَأْسِيْسِ أَوَاصِرِ المَحَبَّةِ وَالْأُخُوَّةِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، بَلْ اعْتَنَى بِهَا، وَأَوْصَى بِتَعَاهُدِهَا وَبَيَّنَ فَضْلَهَا، حِرْصَاً عَلَى دَوَامِ اْلأُلْفَةِ، وَبَقَاءِ المَحَبَّةِ، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (( أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا،- أَيْ: على طَرِيْقِهِ -، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ )).
وأوضح فضيلته أن اجْتِمَاعُ الْقُلُوبِ وَدَوَامُ الْأُلْفَةِ لا يتحقق، إِلَّا بِلِيْنِ الجَانِبِ، وَشَيْءٍ مِنَ التَّطَاوُعِ وَالتَّنَازُلِ، وَبِهَذَا أَوْصَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعًاذًا وَأَبَا مُوْسَى الْأَشْعَرِيَّ، فَقَالَ: (( يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا )). رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَبين أنَ مِنْ دَوَاعِي اجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ، التَّنَازُلَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا، فَهَا هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، آثَرَ بِهَا المُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ، فَوَجَدَ الْأَنْصَارُ فِي أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَّرَهُمْ بِنِعْمَةِ الْهِدَايَةِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي؟ وَمُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَكُمُ اللهُ بِي؟» فَأَقَرُّوْا لَهُ بِذَلِكَ، فَطَيَّبَ قُلُوْبَهُمْ فَقَالَ: (( أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللهِ؟ فَوَاللهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ ))، فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ رَضِينَا . رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَأشار فضيلته إلى أنَّ مِنْ سِيَاسَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كان يَقْضِي عَلَى أَيِّ بَادِرَةٍ اخْتِلَافٍ فِي مَهْدِهَا، وَيُطْفِئُ فَتِيْلَهَا قَبْلَ اشْتِعَالِهَا، كُلُّ ذَلِكَ لِوَحْدَةِ الصَّفِّ وَجَمْعِ الْكَلِمَةِ، فَفِي الصَّحِيْحَيْنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فسمع ذلك رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»، أَيْ: قَبِيْحَةٌ كَرِيْهَةٌ مُؤْذِيَةٌ.
وأفاد فضيلته أن الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الرَّؤُوْفُ الرَّحِيْمُ، يُغْلِظُ المَقَالَ لِمَنْ يُرِيْدُ تَفْرِيْقَ وَحْدَةِ الْأُمَّةِ، وَرَفْعَ شِعَارَاتِ الجَاهِلِيَّةِ؛ لِعِلْمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ نَارَ الْخِلَافِ وَالْفُرْقَةِ وَالْفِتْنَةِ، إِذَا أُوْقِدَتْ فَمِنَ الْعَسِيْرِ إِطْفَاؤُهَا, فَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (( إِنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِي كَلَامٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقِيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ، قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ))، فَأَذْهَبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ المُؤْمِنِينَ، فَخْرَهُمْ بِالْأَحْسَابِ وَالْأَنْسَابِ، فَكُلُّهُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا أَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى? وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ? إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ? إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )).
ولفت فضيلته إلى أنه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نفى الْإِيمَانَ ،عَمَّنْ لَا يُحِبُّ لِأَخِيْهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَوَعَدَ المُتَحَابِّينَ فِي اللهِ بِأَنَّ لَهُمْ مَنَابِرَ مِنْ نُوْرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ اللهَ يُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام : لَا شَيْءَ – يَا عِبَادَ اللهِ -: أَكْثَرُ إِخْلَالًا بِالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ، مِنَ اخْتِلَافِ الْكَلِمَةِ وَافْتِرَاقِ الْقُلُوبِ؛ فَلِذَا أَمَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِوُلَاةِ الْأُمْرِ، فَعَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلاَةِ الغَدَاةِ، مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ،فقام رَجُلٌ وقَالَ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ، فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ )). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وأضاف الشيخ المعيقلي قائلاً :َلِذَا حَرِصَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَلَامَةِ الْأُمَّةِ وَوَحْدَتِهَا، وَشَدِّ بُنْيَانِهَا وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهَا، إِلَى آخِرِ لَحظَاتِ حَيَاتِهِ، فَفِي الصَّحِيْحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلاَةِ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الحُجْرَةِ، يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ، كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنَ الفَرَحِ، بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ إِلَى الصَّلاَةِ، (( فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، وَأَرْخَى السِّتْرَ فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ ))، قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ الله: ” سَبَبُ تَبَسُّمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحُهُ بِمَا رَأَى مِنِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الصَّلَاةِ، وَاتِّبَاعِهِمْ لِإِمَامِهِمْ، وَإِقَامَتِهِمْ شَرِيعَتَهُ، وَاتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ وَاجْتِمَاعِ قُلُوبِهِمْ، وَلِهَذَا اسْتَنَارَ وَجْهُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَادَتِهِ، إِذَا رَأَى أَوْ سَمِعَ مَا يَسُرُّهُ يَسْتَنِيرُ وَجْهُهُ”
وأردف فضيلته يقول:ُ مَعَاشِرَ المُؤْمِنِيْنَ لَئِنْ كَانَ اجْتِمَاعُ الْكَلِمَةِ ضَرُوْرَةً فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِيْنٍ، فَالمُسْلِمُوْنَ الْيَوْمَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ آخَرَ، فَالِاجْتِمَاعُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ، وَلَكِنْ – يَا عِبَادَ اللهِ -: إِذَا كُنَّا نُرِيْدُ وَحْدَةَ الصَّفِّ وَجَمْعَ الْكَلِمَةِ، فَلَا بُدَّ مِنَ اسْتِيْعَابِ تَعَدُّدِ الْآرَاءِ وَالِاجْتِهَادَاتِ، فِي حُدُودِ شَرْعِنَا المُبَارَكِ، نَعَمْ، فِي حُدُودِ شَرْعِنَا المُبَارَكِ ، فَهَؤُلَاءِ أَنْبِيَاءُ اللهِ تَعَالَى قَدِ اخْتَلَفُوْا فِيْمَا بَيْنَهُمْ، وَهُمْ خِيْرَةُ خَلْقِ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، فَذَكَرَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، مَا حَصَلَ مِن خِلَافٍ بَيْنَ مُوْسَى وَهَارُوْنَ عَلِيْهِمَا السَّلَامُ: (( قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ، أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ، قَالَ يَا بْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ))، فَالْخِلَافُ قَدْ حَصَلَ، وَلَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ قَدْ عَذَرَ.
وأكد أنه َلَا يَجُوْزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ هَذَا الْخِلَافِ، سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ وَالنِّزَاعِ وَاخْتِلَافِ الْقُلُوْبِ، حيثْ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ؛ فَفِي صَحِيْحِ الْبُخَارِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا قَرَأَ آيَةً، وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ خِلاَفَهَا، فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الكَرَاهِيَةَ، وَقَالَ: «كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ، وَلاَ تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا».
وأوضح فضيلته أن أَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا بَيْنَهُمْ مِنَ المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَاْلأُلْفَةِ، قَدْ يَحْصُلُ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ، وَلَكِنْ كَانَتْ نُفُوْسُهُمْ صَافِيَةً نَقِيَّةً، فَهَذَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَدْ خَاضَ فِيْمَنْ خَاضُوْا فِي حَادِثَةِ الْإِفْكِ، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: «لاَ تَسُبَّهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وأشار إلى أنَ ابْنُ عَبَّاسٍ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ خالف فِي بَعْضِ المَسَائِلِ، وَرَغْمَ هَذَا الْخِلَافِ، فَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، يَأْخُذُ بِخِطَامِ نَاقَةِ زَيْدٍ وَيَقُوْلُ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا وَكُبَرَائِنَا، وَكَانَ زَيْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُقَبِّلُ يَدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيَقُوْلُ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَهَكَذَا سَارَ التَّابِعُوْنَ وَتَابِعُوْهُمْ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمْ، عَلَى نَهْجِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، فَحَفِظُوْا حُقُوْقَ الْأُخُوَّةِ الْإِيْمَانِيَّةِ الَّتِيْ تَجْمَعُهُمْ، فهذا الإمام مالك، مع مخالفته للإمام أبي حنيفة، إلا أنه يشير إلى براعته في القياس. قيل لأبي حنيفة: ما أحسن قول هذا الرجل فيك، يعني مالكا، فقال أبو حنيفة: “ما رأيت أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه”.
وبين فضيلته أنَّ المَسَائِلُ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا الشَّافِعِيُّ أَبَا حَنِيفَةَ فِي الفِقْهِ كَثِيْرَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ: ” النَّاسُ فِي الْفِقْهِ، عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ “, وَيقول الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ” لَمْ يَعْبُرِ الْجِسْرَ إِلَى خُرَاسَانَ مِثْلُ إِسْحَاقَ، وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُنَا فِي أَشْيَاءَ، فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَلْ يُخَالِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا”،وَقَالَ يُونُسُ الصَّدَفِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنَ الشَّافِعِيِّ، نَاظَرْتُهُ يَوْماً فِي مَسْأَلَةٍ ثُمَّ افْتَرَقْنَا، وَلَقِيَنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، أَلَا يَسْتَقِيْمُ أَنْ نَكُوْنَ إِخْوَاناً وَإِنْ لَمْ نَتَّفِقْ فِي مَسْأَلَةٍ.
وأكد الشيخ المعيقلي، أن هَذِهِ المَوَاقِفُ النَّيِّرَةُ ،مِنْ تَارِيخِ سَلَفِنَا الصَّالِحِ، هِيَ المُوَافِقَةُ لِلْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ، الْآَمِرَةِ بِالتَّآلُفِ وَالتَّرَاحُمِ، الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَسُوْدَ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ جَمِيْعاً، لَا أَنْ يَكُوْنَ الشِّقَاقُ وَالنِّزَاعُ هُوَ الْأَصْلُ فِي كُلِّ خِلَافٍ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُوْلُ: (( وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ))، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ: وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي “الْأَحْكَامِ” فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَنْضَبِطَ، وَلَوْ كَانَ كُلَّمَا اخْتَلَفَ مُسْلِمَانِ فِي شَيْءٍ تَهَاجَرَا لَمْ يَبْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عِصْمَةٌ وَلَا أُخُوَّةٌ، وَلَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سَيِّدَا الْمُسْلِمِينَ يَتَنَازَعَانِ فِي أَشْيَاءَ لَا يَقْصِدَانِ إلَّا الْخَيْرَ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.