طبقًا لإحصائيَّة صادرة عن الجمعيَّة الأمريكيَّة للمهندسين المدنيين (يو إس توداي، 22 نوفمبر)، فإنَّ الشعب الأمريكيَّ يُهدر قرابة 7 مليارات ساعة؛ بسبب ازدحام الحركة المروريَّة في مدنه الكُبرَى تحديدًا. هذا الكم الهائل من الوقت المهدر يعادل في مجمله إنتاجيَّة 5 ملايين وظيفة دائمة، غير مدفوعة الأجر. هذا الزمن الضائع يسمح ببناء كلٍّ من ناطحة السحاب (إمباير ستيت)، المعروفة، وسد هوفر الشهير أكثر من 100 مرة. وكلُّ ذلك حقيقة مفزعة، بالرغم من كلِّ ما يراه المواطن والمقيم والزائر من مشروعات لا تكاد تنقطع لتحسين الحركة المروريَّة داخل المدن، وما بين المدن، مشروعات لا تكاد تنقطع من توسيع للشوارع، والطرق، وبناء للجسور، والكباري، وتقليص للتقاطعات والإشارات. والمتوقع مع ذلك كله ارتفاع تقديرات الساعات المهدرة إلى 8,3 مليار ساعة مع حلول 2020م. ومع أن الحكومة الفيدرالية قد خصصت 900 مليار دولار للإنفاق على البنية التحتية للمواصلات والنقل على مدى السنوات العشر المقبلة، إلاَّ أنَّ الوضع يتطلَّب ألف مليار أخرى على الأقل. وتأتي في مقدمة الأولويات تأمين مزيد من وسائل النقل العام السريعة، وفي مقدمتها بالطبع القطارات، ومشروعات المترو. وتقدر الجمعيَّة نفسها أن تكلفة إهمال تطوير البنى التحتيَّة المروريَّة يبلغ 147 مليار دولار سنويًّا، وترتفع إلى 238 مليار دولار عام 2025م. ومن صور ارتفاع التكلفة إحجام رؤوس الأموال عن الاستثمار في مناطق مزدحمة، مع توفر بُنى تحتيَّة أخرى جيدة مثل اتِّصالات الإنترنت، والمرافق العامَّة، والأسعار المعتدلة. لن أستفسر عن مثل هذه الأرقام في بلادنا، فأمامنا مشوار طويل جدًّا لنبلغ درجة التفكير في أهمية الوقت المهدر، إذ لو ارتفعت إنتاجيتنا الحالية إلى 6 ساعات بدلاً من ساعة واحدة طبقًا لانطباع وزير الخدمة المدنيَّة لكُنَّا في خير كبير. لكنْ صدِّقوني كل هذه العوامل مجتمعة تجعل من الاستثمار قرارًا صعبًا، بل تدفعه إلى الهروب أحيانًا، وإن لبث فينا عدد سنين. مشكلتنا أنَّنا لا نعطي القضيَّة أهميَّة كافية إلاَّ بعد فوات الأوان، إذ يهمُّنا جدًّا أنْ نعيش اللحظة التي بين أيدينا، وأمَّا المستقبل فله منَّا الوداع والسلام. [email protected]