في خضم الأخبار المؤلمة التي تصدر عن مجلس الأمن وتنبئ عن حالة الفرقة والاختلاف التي يعيشها المجلس وأدت إلى عجز المجلس عن التصدي لقضايا الأمن والسلم الدوليين، يأتي الإعلان عن اختيار أنتونيو جوتيريش لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة ليبعث شعوراً نادراً بالأمل والتفاؤل والاطمئنان إلى مستقبل هذه المنظمة التي مازالت تؤدي دوراً حيوياً قيادياً في العالم بالرغم من نواقصها وما تواجهه من تحديات. لقد واجه اختيار أنتونيو جوتيريش مخاضاً صعباً حيث مر بست جولات من الانتخابات غير الرسمية قبل أن يحظى بالترشيح بالتزكية من جميع أعضاء المجلس، فلقد كان البعض متمسكاً بأحقية أوروبا الشرقية في منصب الأمين العام بحكم أنها المجموعة الجغرافية الوحيدة التي لم يسبق لها أن حصلت عليه، وتمسك آخرون بأحقية المرأة في الحصول على المنصب حيث لم يكن من بين الثمانية أمناء عامين سابقين أي امرأة، ولقد ترشح للمنصب هذه المرة اثنا عشر مرشحاً من بينهم تسعة مرشحين من أوروبا الشرقية وثماني نساء، ولكن مجلس الأمن انحاز نحو المرشح الأفضل الذي أثبت منذ بداية السباق كفاءته وقدرته على التعامل مع الجميع بإيجابية وتفهُّم، وهو بحكم مناصبه السابقة رئيساً لوزراء البرتغال ثم مفوضاً سامياً لشئون اللاجئين كان الأكثر تأهيلاً للتعامل مع القضايا الإنسانية والتنموية والسياسية التي تواجه برنامج عمل الأممالمتحدة وأمينها العام الجديد. سألتُ السيد جوتيريش في مرحلة مبكرة من السباق عما إذا كان يتوقع أن يواجه بالفيتو من أي من الدول الخمس دائمة العضوية، فأجاب قائلاً إنه لا يتوقع ذلك لأنه يظن أنه ليس المرشح المفضل لأي من هذه الدول، وأن المرشح المفضل لأي دولة كبرى هو الذي سيواجه الفيتو، وفعلاً في التصويت الأخير لم يجابه جوتيريش بأي فيتو في حين تراوحت أصوات النقض التي حصل عليها الآخرون ما بين صوت واحد إلى أربعة أصوات. في حوار خاص مع الأمين العام الجديد تحدث عن تأثره العميق بالحضارة العربية الإسلامية وتأثيرها على العالم أجمع وعلى بلاده بشكل خاص، وناقش بإسهاب الجذور الفكرية والسياسية للعديد من القضايا التي تمس المنطقة العربية وخاصة قضية فلسطين ومحاربة الإرهاب، وكان من ضمن ما قاله إنه يدرك أن الجهاد مفهوم نبيل يرتبط بالدرجة الأولى بجهاد النفس الذي يعبر عن الوصول إلى أقصى درجات التفاني في العبادة والإصلاح، وإنه لا يقبل أن يربط مصطلح الجهاد بالإرهاب، وإنه يؤمن بأهمية الحوار والتفاهم في إيجاد الحلول للمشكلات المستعصية وإنه سوف يتولى التصدي لهذه المهمة الصعبة بنفسه، وأضيف إلى ذلك بدون الاكتفاء بالتفرج وإبداء القلق أو الحسرة. أنتونيو جوتيريش.. أهلاً وسهلاً بك!! [email protected]