استبشر الشعب السعودي بما أعلنه سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من رؤى وتطلعات للتحول الوطني بالأمس القريب، وكانت فرحة الجميع غامرة ومن بينهم شريحة المثقفين حين تماس ولي ولي العهد مع الشأن الثقافي في شرحه للرؤية السعودية 2030، وإفصاحه عن اهتمام عميق وإدراك مسؤول لأهمية التنمية الثقافية بوصفها قيمة اقتصادية أيضًا، وكلنا أدرك إلماحته الواضحة حين تحدَّث عن مقدار ما يصرفه المواطن السعودي من مبالغ طائلة على الثقافة والترفيه خارج الوطن، وكأنه يقول بوضوح: أليس الوطن وأبناؤه جديرين بتلك المبالغ التي يتم صرفها في الخارج سواء في محيطنا الإقليمي الخليجي والعربي أو العالمي؟. حقًا هو ذاك، ونحن كمواطنين ومثقفين متطلعون لنرى آليات التنمية الثقافية في برنامج التحول الوطني والرؤية السعودية المشرقة، لكن من واجبي أن أشير في هذه العجالة إلى بعض الإشكالات التي نحتاج إلى تلافيها من أجل بلوغ مشروع ثقافي معرفي رائد، وأتصوَّر أن ما سأكتبه لن يكون جديدًا على القائمين على البرنامج، لكني أذكره من باب التذكير والتأكيد على أهميته. من نافلة القول -ابتداء- التأكيد على أن الثقافة والمعرفة الصادقة هي عنوان أي نهضة حقيقية تنشدها المجتمعات وتسعى لبلوغها، وبالتالي فإن من أبجد أبجدياتها أن يكون المسؤولين عن التخطيط لها ثم تنفيذ آلياتها أشخاص مهمومون بالمعرفة، مسكونون بهاجسها، متطلعون لرسم مشهد صادق بعيدًا عن التزييف وتكريس صناعة الوهم، أولئك تراهم وقد تماست أرواحهم في تفاصيل كثير من جوانب المشهد الثقافي على الصعيد الفني والمعرفي وفق أسس منهجية سليمة، بهدف التأسيس لحركة ثقافية بنائية، كما هو في عديد من المجتمعات المتقدمة حاليًا. على أن الإشكال الثاني يكمن في حجم البيروقراطية القاتل لأي إبداع، إذ من غير الطبيعي أن يستمر تطبيق ذات الشروط والمدد الزمنية التي يتم اشتراطها حاليًا من أجل السماح بإقامة أي نشاط ثقافي متنوع على المؤسسات الثقافية حكومية وأهلية، ذلك أن الفعل الثقافي غالبًا ما يكون لحظيًا، ولا يُميت اللحظة الإبداعية سوى البيروقراطية الإدارية المعمول بها اليوم، لهذا فالمأمول أن يتم تخويل المؤسسات المصرح بها بتنفيذ ما تراه من مناشط ثقافية، مع تحميلها كامل المسؤولية عن أي تقصير أو خلل فيما لو حدث، فالثقافة الصادقة مسؤولية والتزام في أساس بنائها وتكوينها المعرفي. وأخيرًا في هذه العجالة، فإنني أؤمن بأننا في أمس الحاجة إلى صناعة استراتيجية ثقافية وطنية، تجيب عن تلك التساؤلات الوجودية في الشأن الثقافي مثل: من نحن؟ ماذا نريد؟ وما هي غاياتنا الثقافية العليا؟ وحتى نتمكن من الإجابة على بعض من تلك التساؤلات، نحتاج إلى مشروع حقيقي لتوثيق تراثنا الفني، وأهازيجنا الشعبية، باختصار نحن في حاجة إلى تأسيس معاهد متعددة ومتنوعة للفنون والموسيقى، فهل يتحقق ذلك قريبا؟. [email protected]