تحدثنا في مناسبات كثيرة عن ظاهرة جماهيرية معارض الكتاب عندنا، وعن مدى الإنفاق المالي الكبير فيها. وكم تابعنا تحليلات كثيرة لهذه الظاهرة ودوافعها. ولا شك أنه من المثير معرفة أسبابها، في ضوء ما هو شائع بل ومسلّم به، بأننا في المجمل شعبٌ لا يقرأ ولا يُحب القراءة. وهنا أستثني الأفراد المولعين بالقراءة وهم نسبة ضئيلة في حشد كبير من المواطنين السعوديين. ومن محاولات الفهم لهذه الظاهرة ما نُشر مؤخرًا في ملحق الأربعاء الثقافي بهذه الصحيفة في زاوية «قضية» وكان عنوانها: (مثقفون وأدباء: معارض الكتاب حوّلت الثقافة إلى سياحة). وقد وردت تحليلات أو تفسيرات، غير مستندة إلى إحصائيات، بأن ما نُشاهده في هذه المعارض من أعداد كبيرة للزائرين أو ما يُنفق فيها من مبالغ ضخمة كان سببه الأساس أن تلك المعارض أصبحت فعاليات أو نشاطات سياحية وترفيهية لكافة أفراد الأسرة، في مختلف مستويات المجتمع. إن كانت كذلك، فمعناه أن الحضور الكبير والإنفاق الاستثنائي في معارض الكتاب في بلادنا، إنما هو ظاهرة استهلاكية بكل جدارة. وبهذا يمكن تفسير الحضور والشراء المكثف فيها لشعب عُرف عنه منذ أمدٍ بعيد بأنه لا يقرأ! وكمثال: فإن ذلك يحدث عادة في المجتمعات الاستهلاكية عندما يدخل الفرد منها إلى (سوبرماركت) فيملأ عربته بالقليل مما يحتاجه وبالكثير مما لا يحتاجه! ولكن ما آلمني حقًا في زاوية «قضية» بملحق الأربعاء، هو أن أحد المشاركين من ذوي المستوى الوظيفي العالي قال في آخر كلامه بالحرف الواحد: «إن كثيرًا من المثقفين والكُتَّاب لا يخرجون من (جحورهم) إلا عشرة أيام في العام، وهي عشرة أيام الكتاب». وهنا أود أن أسأله: هل هم من القوارض حتى يختبؤا في الجحور؟ ولربما أن هذا الرأي يُعبّر عن رأي عدد من أفراد مجتمعنا في مثقفينا. فإن كان مثقفونا كذلك، فلماذا نسعى لنحصل على نتاجهم الثقافي؟ أما إن كانت زلّة لسان منه، فإن علماء النفس يقولون: إن زلات اللسان تُعبِّر عن الرأي والمكنون الحقيقي للشخص في المسألة التي يُعبّر عنها. لو أخذنا في الاعتبار هذا التعبير أو الرأي غير الموفّق في مُثقّفينا وكُتّابنا بالإضافة إلى الميول الاستهلاكية لغالبية الشعب السعودي، فلا شك أننا سوف نصل إلى نتيجة لا تسعد الذين يسعون لرقي المواطن وتنمية الوطن. [email protected]