لازالت «السنة التحضيرية» تشكِّل أزمة في قلب الجامعات. وبرغم الآراء المختلفة حولها، إلاَّ أنّه في المجمل يمكن القول -ويحسب الآراء- إنها سنة ضائعة من عمر الطلاب؛ لعدم تطبيقها الاشتراطات العلمية الصحيحة. ويُعدُّ الأكاديميون هم أكثر المعارضين لها بشكلها الحالي، فهي في نظرهم «بيزنس جامعي» ليس إلاَّ! يعتمد التدريس فيها على شركات تشغيل خاصة، تستعين بكفاءات عادية للعمل في السنة التحضيرية؛ ما يقلّل من كفاءة المخرّجات، ولا يحقق الهدف الذي وضعت من أجله. وفي هذا الإطار هناك أيضًا مطلب بالتدخل العاجل من وزارة التعليم لتقوية التجربة بشكل دقيق. في حين يرى آخرون أهمية السنة التحضيرية، ونجاحها الكبير في توجيه مسار الطلاب -بحسب تخصصاتهم، وقدراتهم- وضمان اندماج أفضل مع البيئة الجامعية الجديدة. طلاب: مرحلة مهمة لكن يجب تفعيلها بشكل أكبر دعا طلاب إدارات السنة التحضيرية إلى تفعيل دورعملية الإرشاد الأكاديمي للطلاب، ومساعدتهم على الإلمام باللوائح والأنظمة، والاهتمام بآرائه، والاستماع لها، وتوفير الكتب الدراسية للطلاب بأسعار مخفضة في بداية العام الدراسي، وتوزيع الاختبارات على أيام، بحيث لا يقوم الطالب بأداء أكثر من اختبار في اليوم، وتنمية العلاقات الإنسانية يبن أعضاء هيئة التدريس والطلاب. يقول الطالب عبدالله الرحيلي إنه يعاني كثيرًا من بعض المواد التخصصية، وصعوبتها حتى أن الدرجة المطلوبة للنجاح فيها عالية جدًّا، وإذا لم يحققها ستتسبب في إنزال معدله الجامعي، مؤكّدًا أن مشكلة الغياب، وقطع المكافأة تأتي بسبب انخفاض المعدل، وأن جداول طلاب السنة التحضيرية بدائي تقليدي بشكل كبير. أمّا الطالب حاتم الزهراني فيقول: إن السنة التحضيرية تعتبر مرحلة جيدة لاستيعاب المرحلة الجامعية؛ لوجود أساتذة يقومون بتوجيه الطالب لتحديد التخصص الجامعي. كما يمتاز الطاقم التدريسي في السنة التحضيرية بإمكانية وكفاءة جيدة في المواد التطبيقية، معبّرًا أن التحضيرية تعتبر مزيج بين الصعوبة والسهولة لتهيئة الطالب للمرحلة الجامعية. وأضاف: إن معظم المشكلات التي يعاني منها طالب السنة التحضيرية تعود إلى الصعوبة التي يواجهها في التكيّف، وعليه ينبغى الاهتمام بحل وعلاج تلك المشكلات قبل أن يستفحل أمرها، وتتطوّر، وتحول دون النمو النفسي السوي، ودون تحقيق الاسترخاء لطالب. ولا يُقاس هذا التكيّف السليم بمدى خلو الطالب من المشكلات، وإنّما بمدى قدرته على مواجهة هذه المشكلات، وحلّها حلاًّ سليمًا. طالبات: أعضاء التدريس يفتقدون ل «المعرفة» تقول الطالبة ندى يوسف: إن السنة التحضيرية نمّت لديها التعلم الذاتي في أداء الواجبات، والتحضير للمادة العلمية؛ ما أكسبها مهارات عدّة كالبحث، والقراءة، والاتّصال في شأن تقصي المعلومة وصحتها. أمّا السلبيات أجدها في افتقار بعض أعضاء هيئة التدريس إلى المعرفة، وما تحتويه المواد الدراسية؛ نظرًا لمنهجية التعلم الذاتي التي تعتمد بشكل كبير على الطالب. فيما قالت الطالبة لوله الزبيدي: «تخصص نقود ومؤسسات مالية»: السنة التحضيرية كانت مفيدة جدًّا خلال سنوات دراستي اللاحقة في التخصص، كذلك على الصعيد الشخصي، فقد ساعدتني على تنمية التفكير، وابتكار أشياء جديدة، وأصبحت قادرة على أن أكون مستعدة لتخصصي بشكل كافٍ. د. الصبيحي: الشركات التي تديرها أدت لضعف المخرجات قال وكيل كلية الإعلام والاتّصال للدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور محمد الصبيحي: إن الجزئية المهمّة في السنة التحضيرية لإتمام فكرتها هي أن الجامعات هي مَن تتولى إدارتها، وأن يقوم أعضاء هيئة تدريس الجامعة بجزء كبير من هذه المهمّة. إنما تكليف شركات وجهات خارج الجامعة بأداء مهمّة تهيئة طلاب السنة التحضيرية هو الذي أدى إلى ضعف المخرجات، وبالتالي هؤلاء الذين يقومون بتدريس مواد السنة التحضيرية ليسوا من منسوبي الجامعة، وأعضاء هيئة التدريس الذين قامت الجامعة بإعدادهم إنّما أغلبيتهم يكونون من خلال المؤسسات المتعاقد معهم خارجيًّا لتنفيذ أدوراهم تعليميًّا، وهنا مكمن الخلل في وجهة نظره. وأوضح أن فكرة السنة التحضيرية لطلاب وخريجي الثانوية العامة بدأت كفكرة ذكية ورائدة، وكان في مجمل أهدافها تحقيق التدرج والكشف عن مهارات الطلاب لتقبّل المرحلة الجامعية، وهذا ما يساعد وينتج عند الطالب الاختيار الواعي للتخصص، وفي ذات الوقت التوافق مع المهارة للاستعداد فيما بعد الدراسة. وأضاف: إذا اتفقنا بأنها فكرة رائدة ومتميّزة، نجد أنّه من المفترض -وبطبيعة الحال- أن تكون هذا المخرجات ذات مستوى رفيع، بحيث تجعل الطالب يحسن اختيار التخصص في مرحلة السنة التحضيرية بشكل واعٍ، ويحقق أهدافه بحيث يوصله إلى الوظيفة التي تتوافق مع مهاراته، لكن واقع الحال هو أن الجانب التطبيقي هو الذي أدّى إلى ضعف المخرجات، والفشل الجزئي في المجال التعليمي، بحيث كان يمكن أن تحقق تجربة السنة التخضيرية الكثير من الفوائد، والتقليل من حجم التسرّب، وقلة الوظائف، وضعف التوظيف، وقلة المهارة لدى الطلاب. وأشار إلى زيادة العبء الدراسي على الطالب، وأن السبب الرئيس في ضعف المخرجات هو الجهات المنفذة لبرامج السنة التحضيرية، وأن الجهات تعاملت مع البرنامج تعاملاً غير علمي ومهني، إنما الاستثمار والتجارة الهدف الأسمى. وهذا ما أدّى إلى التركيز على بعض الجزئيات، وترك الجانب التوعوي الذي يهدف إلى كشف وإجراء تجارب على الطلاب ليمكّنهم من اختيار تخصصاتهم بطريقة ناضجة وواعية. د. القرني: «عقبة».. والطلاب في غنى عنها يقول عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور علي القرني إنه ينبغي مراجعة مناهج المرحلة الثانوية، وحتى ما دونها، لكنّا في غنى عن هذه السنة التحضيرية التي قد يرى البعض أنّها عقبة. وأضاف: إن السنة التحضيرية ربما تكون ضرورية، بعد أن اكتشف الضعف في تكوين أكثر الطلاب والطالبات في بعض المعارف والمهارات إبّان دراستهم في المرحلة الثانوية، وبعد أن أصبح المعدل في دراستهم الثانوية مقياسًا غير دقيق في ظل التساهل في منح الدرجات في بعض المدارس الخاصة التي تعطي درجات عالية لبعض الطلبة والطالبات بغير أحقية حقيقية، فبات لزامًا على الجامعة أن تعمل على أولاً: تزويد الطلبة والطالبات بالمهارات والمعارف التي تنقصهم مثل (اللغة الإنجليزية، ومهارات الاتّصال). ثانيًا: تمييز أحقية الطلاب والطالبات في الدراسة في تخصصات جامعية بعينها. ولعلّ من سلبيات هذه السنة أنّها شكّلت عبئًا إضافيًّا على الطلبة والطالبات وعلى الجامعات بدلاً من أن يأتي الطالب أو الطالبة على جهوزية للانتظام في الدراسة الجامعية، أيّ في كلية معينة، فإنه يبقى لسنة كاملة يدرس ما كان ينبغي أن يدرسه سابقًا في المرحلة الثانوية. د. طاش: غياب الكفاءات مشكلتها الحقيقية قال أستاذ علم الاجتماع والمحاضر بجامعة الإمام الدكتور عبدالمجيد طاش إن السنة التحضيرية من المفترض أن تركز على تهيئة الطالب للمرحلة الجامعية من خلال تعريفه بنظام الدراسة، والاختبارات، وطبيعة الحياة الجامعية، وإعداده في مجال التخصص، إلاّ أن الواقع لا يعكس ذلك، والدليل أن كثيرًا من الطلاب يوجهون إلى تخصصاتهم وهم لا يعرفون كيفية استخدام الخدمات الذاتية، والتي تُعدُّ أهم جانب في عملية التهيئة، ويحتاج إليها الطالب في جميع معاملاته. وأكّد أنه يلاحظ عدم الاهتمام باستقطاب الكفاءات في تدريس مقررات السنة التحضيرية، والاعتماد بشكل كبير على المتعاونين دون التنسيق مع الأقسام العلمية ذات الصلة، مبينًا بأن السنة التحضيرية لم تحدث أي فارق يذكر سوى زيادة العبء على الطالب؛ ممّا ينتج من خلاله غياب الوضوح بالنسبة للطلاب والطالبات على مستوى البرامج ككل، وليست القاصرة على السنوات التحضيرية، وذلك بسبب ضعف الاهتمام بعملية الإرشاد الأكاديمي. د. النمر: طفرة في حياة الطلاب والطالبات أكّدت عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتورة أميرة النمر أنه بناء على تجربة 8 سنوات في تدريس السنة التحضيرية، فإنني أجزم أن السنة التحضيرية تمثل طفرة في حياة الطالب والطالبة، فهي المحور والفيصل الهام الذي يمكن الطالب من أن يتبين ويتحسس خطاه الصحيحة والسليمة في مستقبله، وذلك لأسباب هامة منها، أن المواد الدراسية التي تدرس للطالب والطالبة في السنة التحضيرية نجد أنها متطلبات تأهيلية، أساسية تمثل المهارات الأساسية التي يجب أن يلم بها الطالبة والطالبات، كما تعتمد على استكشاف وتنمية المهارات الأساسية لديهم، كاللغة، ومهارات الاتّصال والتفكير، والحاسب الآلي، وغيره من المهارات المهمّة؛ ممّا يمكن الطالب من اختيار التخصص بما يتوافق مع ميوله وقدراته واتجاهاته. وتضيف: من المهم جدًّا أن نشير إلى أن هدف السنة التحضيرية هو تضييق الفجوة الكبيرة بين ثلاثة عناصر مهمّة، متمثّلة في تضييق الفجوة بين آليات سوق العمل، ومستوى الخريج والخريجة، وبين قدرات الطالب والطالبة، واختيارهم للتخصص الذي يتناسب معها، وبين مستوى الرضا لدى الطلبة والطالبات والتخصصات التي تم اختيارهم لها. وعن تصنيف البعض للسنة التحضيرية كمشروع تجاري بحت تقول النمر إنه تصنيف خاطئ، فالسنة التحضيرية تعتمد بالدرجة الأولى على أعضاء هيئة تدريس سعوديين، إلاَّ في بعض التخصصات النادرة التي يتم الاستعانة فيها بكوادر أجنبية، فهي طفرة كبيرة في حياة الطلبة والطالبات الجامعيين في الجامعات السعودية، أتمنى أن يتم العمل بها في كافة الجامعات العربية، كما أن السلبيات التي تم اكتشافها بعد أن طبقت السنة التحضيرية تم تداركها في سرعة بالغة. ففي السنوات الأولى حققت السنة التحضيرية ما نسبته 80% من أهدافها المخطط لها. أمّا في السنوات الأخيرة فقد قاربت ال98% من مجمل الأهداف. «الشورى»: دراسة للبرنامج بشكل تقويمي علمي قال عضو مجلس الشورى الدكتور محمد الخنيزي إنه طُلب من الجامعات القيام بدراسة جدوى لمرحلة السنة التحضيرية ووضعت عدة تساؤلات من قبل اللجنة حول المسارات التعليمية خارجية، ودخول إدارات، وإحضار مدرسين خارج أعضاء هيئة التدريس. وأقرّ مجلس الشورى القيام بإجراء دراسة لملف برنامجها بشكل تقويمي علمي عبر جهة محايدة ومتخصصة من بيوت الخبرة في هذا المجال. وأشار إلى دور لجنة الشؤون التعليمية من أساسيات عملها تحسين مخرجات العملية التعليمية، والعمل ضد كل ما يعرقل المسيرة التعليمية في أي مرحلة، مشيرًا إلى أنها في ذات الوقت مع أي خطوات وإجراءات تسعى إلى دفع العملية التعليمية برمتها للأمام. د. الرفاعي: لا تضيف شيئًا ومنفصلة عن الواقع التعليمي أكد عميد كلية الإعلام والاتّصال في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالله الرفاعي أن السنة التحضيرية بشكلها الحالي تشكّل عبئًا كبيرًا، وضررها أكبر من نفعها، معللاً بأنها لا تقدّم أيّ إضافة حقيقية، وانفصالها عن البرنامج التعليمي يعتبر خطأ كبيرًا، مشيرًا إلى أن السنة التحضيرية لم تخضع لأيّ دراسة أو تقييم قبل البدء بها فعليًّا، إنما تم نجاحها على حسب تقييمهم لجامعة من جامعات المملكة، وتم تنفيذها على البقية. وأوضح أنّه لا يتمّ تدريسها من قِبل أعضاء هيئة التدريس، بل أسندت إلى مؤسسات وشركات، وعدد كبير منها ليسوا من حملَة الدكتوراة، وليسوا مؤهلين للعمل بالمجال التعليمي، واستمرار السنة التحضيرية ليس مقبولاً أبدًا لعدم وجود فائدة حقيقية، ولا الأثر الملموس على الطالب، ولم تساعد في تهيئته للمرحلة الجامعية بشكل ملحوظ، مبينًا أنه إن كان لابدّ من مرحلة السنة التحضيرية فيرجى أن تكون ضمن المرحلة المكملة للثانوية العامة، لا المرحلة الجامعية. المتحدث بوزارة التعليم يغلق هاتفه «المدينة» حاولت التواصل مع المتحدّث بوزارة التعليم لأخذ معلومات تفصيلية عن السنة التحضيرية، وما هي إستراتيجية الوزارة في هذا الشأن؟ إلاّ أنه لا يرد على هاتفه النقّال لنتمكن من طرح تساؤلاتنا حتى إعداد هذا التقرير. شركات خاصة تشغلها معتمدة على كفاءات عادية للتدريس ضعف المخرجات يجعل منها «سنة ضائعة» من عمر الطلاب المؤيدون يعتبرونها نقطة فاصلة في اختيار التخصص الجامعي مزايا السنة التحضيرية أحدثت طفرة في حياة الدارسين تمثل المهارات الأساسية للطلاب تستكشف المهارات الأساسية اختيار التخصص حسب الميول تنمية التفكير وابتكار أشياء جديدة عيوب السنة التحضيرية عبء إضافي على الطلاب والطالبات الشركات أدّت لضعف المخرجات الأكاديميون ليسوا من داخل الجامعات قلة المهارات لدى الطلاب والطالبات زيادة العبء الدراسي التعامل معها بشكل غير علمي لا تضيف شيئًا ومنفصلة عن الواقع لم تخضع لأي دراسة أو تقييم أسندت لأكاديميين ليسوا مؤهلين لا يتم اختيار التخصص بطريقة علمية