كانت تراود الطفل فؤاد كيال أثناء ترعرعه في مدينة جدة، أحلام كثيرة منها حلمه برؤية كيف كانت حياة أجداده في الحارات في الأزمان الماضية، وبقي ذلك الحلم يراوده حتى حدّثه زملاؤه في صفه الدراسي بأنه بات بإمكانه اليوم رؤية «حارة كنا كدا» ضمن فعاليات مهرجان المنطقة التاريخية بجدة، حيث حققت له فعاليات المهرجان تلك الأحلام برؤية واقع الحياة القديمة. فعند عتبة بوابة سور جدة -الذي يحاكي سورها القديم- تشنف آذانك الأهازيج الترحيبية للزوار، فهذا أحدهم ينادي والبسمة تعلو محياه: «آنستونا وشرفتونا»، وآخر مرحِّبًا: «حبا حبا باللي جا»، حينها يمكنك التأكد بأنك دخلت حارة «كنا كدا» التي تحاكي بواقعها تفاصيل الحياة اليومية لأهل جدة قبل أكثر من 70 عامًا. وستجد في هذه الفعالية المقامة بالمهرجان محاولة لاستعادة تاريخ حارات جدة قديمًا، فالأرض مفروشة بالتراب والبيوت متقاربة ودكاكين الحارة المتنوّعة متراصة بعضها ببعض، ومسجد عتيق يحاكي جامع الشافعي وفيه يتم تعليم الصغار (الكتاتيب). وكلما خطرت بالبال تفاصيل الحياة اليومية لأهل جدة آنذاك تجده موجودًا، فهذا «البقال» العم الستيني عبده زيلعي يحتفظ في بقالته -التي لا تتجاوز المترين- ببعض محتويات البقالات آنذاك من المواد الغذائية والمشروبات، فيما أثير الإذاعة يصدح بنشرة أخبار من مذياع تجاوز عمره 50 عامًا. يقول أحد الزوار وهو الشاب عبدالإله أبو سعيد 28 عامًا: أبهرني تنوّع تفاصيل الحياة اليومية لأهل ذاك الزمان من الفكهاني ومركاز العمدة والفوال والمزين والمكوجي فقد بات بإمكاني اليوم رسم صورة ذهنية لزمن الطيبين فقد كانوا بحق طيبين. وكما حققت الفعالية أحلام الصغار، فقد أعادت أيضًا الذكريات لأبناء الزمن الجميل الذين أدركوا تلك الحقبة، فهذا العم السبعيني جمال والذي بدا مبتسمًا ومستعيدًا شريط الذكريات، حيث يقول: حارة كنا كدا أعادتني إلى الزمن الجميل حيث الروح الطيّبة بين الأهالي وكلهم على قلب رجل واحد عند الرخاء وعند الشدة، فلعل هذه الفعالية تعيد هذه القيم لجيلنا الحالي. المزيد من الصور :