ليس غريبًا أن تحتضن دارُ الأخ الكريم السيد عبدالله بكر رضوان اللقاءَ السنوي لمجلس أمناء جمعية خرِّيجي مدرسة طيبة الثانوية، فوالدُه -أعني السيد بكر رضوان- ممن سعدتُ وشرفتُ بمعرفتِهم ومجالستِهم والإفادة منهم في حضوة المسجد المبارك وبين مثواه الطاهر وروضته ومحرابه. ..وكان -رحمه الله- أحد وجهاء البلدة الطاهرة علمًا وسلوكًا طيِّبًا، كما عُرف عنه بذلُ الجاه وخصوصًا لعامة الناس ممن كانوا يجدون في سماحته ما يحملهم على اللجوء إليه -بعد الله- لقضاء حوائجهم، وهذا اللقاء السنوي الذي يجمع شتات خريجي هذه المدرسة العريقة والتي تعد ثاني ثانوية في بلادنا من حيث تاريخ التأسيس 1362ه -بعد مدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة-، يُعد مناسبة حميمية لالتقاء خريجي المدرسة. ..ولعلِّي أتذكَّر اليوم الأول الذي دخلتُ فيه فناء المدرسة، فلقد كنت أحسُّ عندئذ بمزيج من أحاسيس الرهبة والرغبة في آن، فلقد كانت -كما أتذكَّر- قاعات الدرس والتلقي فيها ترتبط بأسماء علمية كبيرة من أمثال الأساتذة الأجلَّاء: محمد سعيد دفتردار وعبدالحميد الأصيل، علي علوي، عبيد الله كردي، صالح حبيب، محمد الرويثي وخالد الجُر، حسين الخطيب، محمد الطيب، محمد العيد الخطراوي، ومدرس اللغة الانجليزية المشهور إفتاب، ومراقب المدرسة والأب لكل طالب فيها الأستاذ محمود أسكندراني. أما أستاذ الأجيال الأستاذ والمُربي أحمد بشناق رحمه الله والبقية من أساتذتنا، فلقد كان يدير المدرسة بشيء من الحزم واللين معًا. .. وأزعم وأجيال معي تشهد بأننا لم نسمع -يومًا- صوته يرتفع على طالب أخطأ، أومُريدٍ قصَّر. .. ولعله من الواجب أن أزجي الشكر لرئيس مجلس أمناء خريجي المدرسة معالي الدكتور أحمد محمد علي، وإذا كان -جزاه الله خيرًا - قد أشار في الخطاب الذي بعثه بأن المجلس يعتزم الاحتفاء باليوبيل الماسي 75 عامًا لتأسيس المدرسة، فإنني أقترح من هذا المنبر الذي يحمل اسم البلدة الطاهرة الاحتفاء بالرموز التي ساهمت بعلمها وقدراتها المعرفية -على مدى هذه العقود المباركة- في تخريج تلك الأجيال والتي ساهمت من مواقع متعددة في خدمة بلادها مع أجيال أخرى من جميع مناطق مملكتنا الحبيبة، وإعداد كتاب توثيقي يحمل أسماء أولئك المدرسين وتراجم لحياتهم العلمية الحافلة بالمآثر والغنية بالطيب من الأعمال والحميد من السلوك. ..آخر الكلام: من شعر المبدع الكبير الأستاذ عبدالمحسن بن حليت بن مسلم، ومن قصيدته المعروفة باسم «سيدة الدنيا»: أنا المدينة مَنْ في الكونِ يجهلني ومن تراه درى عنِّي وما شُغِلا تتلمذَ المجْدُ طفلًا عند مدرستي حتى تخرِّج منها عالمًا رجُلا وصرتُ سيدةَ الدنيا به شرفًا واسمي لكلِّ حُدودِ الأرض قد وصَلا ومسجدي كان.. بل ومازال أمنية تحبو إليه قلوبٌ ضلَّت السُّبلا فكلُّ مغتربٍ داويتُ غُربَتَهُ مسحتُ دمعتَه.. حوَّلتها جذَلا وفي هواي ملايينٌ تنامُ على ذِكْري وتصحوعلى طيفي إذا ارتحلا تنافسُوا في غرامي أرسلوا كُتبًا وأنفقوا عندها الرُّكبان والرُّسلا أنا المنورةُ الفيحاءُ ذا نسبي إذا البدورُ رأتْني أطرقتْ خجلا.