خلتْ منك أيامي يا أبتي، وخلا منك سمعي وبصري، لكنك تسكن نفسي.. يا نفسي، وتقطن في فؤادي.. يا فؤادي، وتزهر في كياني.. يا عزّي وفخري. يوحشني بيت لست فيه، ويفجعني مكانك الشاغر، وتصدِّع قلبي أشياؤك التي غدت بلا صاحب. أواه.. لو تدري يا أبتي، كيف كان كربي يوم هدّ السّقم جسدك، وخارت قواك، وغارت عيناك، وتاهت كلماتك.. أوّاه.. لو تدري، كيف كان كرْبي يوم نعوْك، وشيّعوك ودفنوك، ثم عادوا وتركوك!.. أحقًّا هو الوداع!، أحقًّا لن أراك ولن أسمع صوتك، ولن أنعم بحضنك؟! يا مهجتي التي ودّعتها، ويا عمادي الذي كُسر، ويا زادي الذي خلت منه يداي، لو كنت أملك أن أفديك بنفسي لكنت فديتك، ولكنها الآجال إذا تصرّمت، قطعت كل سبب، وأغلقت كل باب، وقلّت معها كل حيلة، لله الأمر من قبل ومن بعد. رحم الله صبرك يا أبتاه، رحم الله كرمك، رحم الله كبرياءك، رحم الله خطاك إلى المساجد، رحم الله حبّك لمدينة رسوله وجوار نبيه صلى الله عليه وسلم، رحم الله تفريجك كربات المكروبين، رحم الله تجاوزك عن المعسرين. ورحمك كما رحمتنا، وأكرمك كما أكرمتنا، وأسعدك في آخراك كما أسعدتنا، وآواك في فردوسه الأعلى كما آويتنا، وجزاك عنّا خير ما جزى والد عن ولده. آمال يوسف المغامسي