ومرة أخرى يمسح على الشاشة دون أن يبل إصبعه، هكذا تتسابق الصفحات في المغادرة، وله أن يتابع الصفحات اللاحقة أو العودة إلى السابقة وله أن يكتب تعليقًا، وله كذلك أن يرسل ما يريد لمن يريد بلمسة زر ليشاركه الاطلاع والمتابعة، وله أن يحتفظ بالقدر الذي يريد ويستدعيه في الوقت الذي يريد. إن محركات البحث عن المعلومة اليوم تنطلق بك سريعًا بمجرد كتابة كلمة أو عبارة لتقدم لك قائمة طويلة بأماكن ورودها، وتوفير هذا الكم الهائل من مصادر المعلومة ومكان وجودها من شأنه أن يجعلك تقرأ دون أن تعرف أنك تقرأ لهذا الكاتب أو ذاك، القضية بالنسب لك هي المعلومة، الظاهرة، الموضوع، ربما لا يفكر أحدنا في اسم الكاتب في كثير من الأمور إلا في النادر، بطبيعة الحال هناك الأبحاث العلمية الجادة يحرص أصحابها على إسناد ما ينقلون من معلومات أو اقتباسات إلى جهات وأسماء أصيلة في التخصص والبحث المنهجي، غير أن السواد الأعظم اليوم لم يعد معنيًا بمن كتب، حسبه أن المعلومة موجودة لدى جهة ذات صفة عامة أو لها علاقة بالموضوع، وربما تتكرر المعلومات في أكثر من جهة، وفي أكثر من موقع، ويمكن المقارنة والاستنباط، أو الاختيار أو متابعة آراء القراء والمتصفحين والمعلقين الذين يؤكدون الثقة في المعلومة أو ينفونها. لقد مضى زمن يختار فيه القارئ من يقرأ له، والباحث من ينقل عنه، والكاتب من يكتب له، وأصبح الفضاء الرحب ميدانًا تتزاحم فيه المعلومات والكتّاب والقراء، وربما يقرأ لك من لم يخطر لك ببال أنه سوف يمر على كلماتك، وربما تكتب لقارئ ضمني في ذهنك لا يكون أبدًا بين من يدلفون إلى قراءة ما كتبت، وكما أن بعض كتاب الصحف يكتبون لأنفسهم، وبعض الكتاب يؤثرون في الكتاب من زملائهم الآخرين، ولا يؤثرون في المجتمع خارج هذه الدائرة، فإن كتابات الشباب اليوم هي مساحات مفتوحة تشرق فيها شموس وأقمار لا يعرفون من أي الجهات كان قدومها، وإنه لمن الرائع أن هذه الكتابات تظل تسبح في هذا الفضاء الرحب وتتجدد مشاهدتها على الدوام.