المتتبع لحال الشعوب العربية وما أصبحت عليه من حالات الذل والهوان أمام الشعوب الأخرى يطرح تساؤلاً عريضاً يتسع باتساع مساحة هذا الوطن العربي الكبير مفاده : ما الأسباب التي أوصلت العرب الى هذا الحال وخاصة أن الله سبحانه قد منحهم الكثير من مقومات الريادة العالمية كالتعاليم السماوية المتمثلة في ديننا الحنيف والثروات والمواقع الاستراتيجية الهامة والقوة البشرية الهائلة ؟ ولعل الإجابة على هذا التساؤل العريض تطول وتتشعب ، لكني أستطيع التلميح الى أهم تلك الاسباب والتي أرى أن أبرزها : ان الشريحة العظمى من ابناء الشعوب العربية قد انشغلت بالعبادات وأهملت المعاملات في ديننا الاسلامي وتناسى مثل هؤلاء انهما عنصران متكاملان لا يقوم أحدهما دون الآخر وأن العبادات تمثل الروح لذلك الجسد وأن المعاملات جوارحه الدالة على حراكه لذا على العرب أن يعيدوا تفعيل تلك المعاملات وفق ما طلبها شرعنا الحنيف . ثم يأتي الدور القيادي على مختلف المستويات والذي يعد الدينمو المحرك لتلك الشعوب من خلال حسن القيادة والاستشراف الذكي للمستقبل القريب والبعيد ومن خلال تنفيذ الخطط الدقيقة والانظمة المتقنة والمتجددة ومن خلال المسايرة للتجديد الفكري الذي يعد من سنن الكون وثوابته ولعل هذا الجانب تحديداً يأتي في الدرجة الثانية من حيث الأهمية لكن الواقع يقول إن أغلب تلك القيادات على مختلف مستوياتها تبحث عن مجد لها لا لأمتها وتبحث عن جمود وتجذر لكراسيها لا حراك وتجدد ونمو لحضارة أممها. وبعد ذلك يأتي دور الأنظمة التعليمية العربية التي لاتزال معظمها تدور في حلقة مفرغة منذ عشرات السنين ولازالت تقوم على الحفظ والتلقين بدلاً من التطبيق والتجريب وهكذا معظم أجهزة الاعلام التي اهتمت بالتبجيل والتهويل والتطبيل والتضليل وتناست مسايرة الاتجاهات الدولية وكشف خباياها. وفي ظل تلك التراكمات من جوانب القصور والخلل تحول العرب من شعوب منتجة الى شعوب مستهلكة ومن شعوب متطلعة الى المستقبل الى شعوب متطلعة الى الماضي فتوقف الحراك وذبل الفكر حتى تحول العرب الى شعوب مسيرة من الأعداء كيفما يريدون واتخذوا من البعض ادوات لهدم بيوتنا فانتشر الداء الذي نهانا عنه نبينا صلى الله عليه وسلم وهو داء العصبية القبلية والمذهبية والطائفية التى حولت العرب الى شعوب متناحرة تتقاتل وتتناحر وتتباغض بحجج زرعها الأعداء فصدقتها الشعوب العربية وتبناها الكثير منها فتحولوا الى دمى متحركة في أيديهم . فهل يعي العرب ذلك الأمر الخطير ويعيدون حساباتهم قبل أن تسلب منهم كل تلك المقومات التي فرطوا في استثمارها فيعودوا كما كانوا في الجاهلية الأولى ؟