درجت العديد من الأندية الأدبية على تخصيص جوائز في مجالات مختلفة، تمنحها إما بشكل دوري ثابت وفق نتائج المسابقات التي تطرحها، أو في المواسم التي تقيمها وتعمد فيها إلى تكريم بعض الشخصيات بهذه الجوائز المتفاوتة من حيث القيمة الأدبية والمادية.. ورغم ما تشيعه هذه الجوائز من أثر إيجابي في الساحة بما تنطوي عليه من تشجيع وتكريم؛ إلا أنها في المقابل تثير تساؤلات عديدة في الساحة حول المعايير، التي انتهجتها هذه الجوائز وأفضت بها إلى فوز أسماء دون أخرى، فثمة من يرون أن هناك محسوبية ومجاملات تطال هذه الجوائز، وحجتهم ضعف نتاج بعض أسماء الفائزين بها، مع وجود أسماء أخرى أكثر استحقاقًا لها، بما يدفعهم إلى المطالبة بتدخل الوزارة وإشرافها المباشر على هذه الجوائز منعًا لأي تجاوز محتمل بزعمهم.. وثمة من يرون بضرورة عدم إقحام وزارة الثقافة والإعلام في هذا الشأن، مرتئين في مجالس إدارة الأندية الأدبية المنتخبة الأهلية لوضع الضوابط، التي تضمن نزاهة هذه الجوائز.. جملة هذه الآراء المختلفة في سياق هذه القضية حول جوائز الأندية الأدبية. تقويم متضائل يبتدر الحديث الدكتور صالح زيّاد استاذ النقد بجامعة الملك سعود بقوله: كلا، لست مع تدخل الوزارة في شأن الجوائز، التي تنشئها الأندية الأدبية.. فارتهان الأندية للوزارة في مناشطها يعني أن الأندية ليست أهلا للثقة. وليست الجوائز إلا أحد مناشطها، فإن غابت الثقة والمسؤولية عنها فمن باب أولى أن تغيب عن غيرها من المناشط. ويضيف زياد: بعض جوائز الأندية الأدبية ممولة من رجال أعمال أو مؤسسات مالية أو تجارية، وهذا التمويل يحدث بجهد من أعضاء الأندية وإدارة علاقات عامة، فيما يخدم مناشط النادي، وتلك مزية تحسب لهذه الأندية. أما الخلل في شروط الجوائز أو موضوعاتها أو تحكيمها، فهي مسؤولية من يقترحها وينظمها في الأندية، وحسابهم ينبغي أن يتم عبر تفعيل دور الجمعيات العمومية، وعبر النقد الذي يجب أن ينهض به المثقفون وتديره بوعي ونضج الصفحات الثقافية في صحفنا.. ومن المؤكد أن الجوائز التي لا تتمتع بصدقية وثقة ولا تحكمها شفافية، هي جوائز غير ذات قيمة حتى وإن كانت قيمتها المادية عالية. ويخلص زياد إلى القول: المشكلة- فيما أرى - تتجلى بشكل أكبر في تضاؤل النقد الذي يقوِّم هذه الجوائز، سواء بانشغال الجمعيات العمومية في المناكفات الكيدية والتصارع على ما هو أكثر دلالة على الذات منه على رؤية موضوعية وثقافية قويمة، أم بانصراف الصفحات الثقافية عن تحريك الساحة والإسهام في خلق حدثها الثقافي بطريقة أكثر وعيًا وجدية. إشراف ومراقبة تبدو ثقة الشاعر والناقد سعد الثقفي ضعيفة في جوائز الأندية الأدبية، ويتبدى ذلك في سياق قوله: لم أجد في أمر الأندية الأدبية شيئًا محيرا كجوائز الأندية الأدبية، لقد صرّح بعض الأصدقاء من رؤساء الأندية الأدبية بضيق ذات اليد في أكثر من مناسبة، بل طالب بعضهم بزيادة مخصصات الأندية الأدبية، لكنهم في ذات الوقت يبتكرون طرقا لتسييل الميزانيات.. حيث أخرجوا إلى الوجود ما يسمّى بجوائز الأندية الأدبية، فاختط كلَّ نادٍ أدبيٍّ جوائز باسمه، وهذه الجوائز مرتفعة القيمة، والغريب في الأمر ذهابها للخارج ولا يستفيد منها المثقف السعودي رغم مشاركتها، والأدلة عليها كثيرة، وليست مشكلة جائزة الشاعر محمد الثبيتي ببعيدة عنّا.. حيث ذهبت جائزتا الشعر والنقد للخارج ولقطرٍ عربيٍّ واحد. ويستطرد الثقفي في حديثه مضيفًا: لقد كانت الجوائز فيما مضى رمزية بحيث لا تتجاوز قيمتها الإجمالية أقل من 1% من ميزانية النادي.. وإذا بالجوائز تزداد قيمتها المالية، بينما تتضاءل (بعضها) لا كلها قيمتها الأدبية. وإنّ الحل من وجهة نظري هي البحث عن ممولٍ لجوائز الأندية الأدبية، بحيث لا تثقل كاهل ميزانية النادي الأدبي، ولا يتشدّق البعض بتعطيل بعض نواحي نشاط النادي الأدبي بحجة تمول جائزة النادي، التي لا يسمع (ببعضها) أحد.. ومن ناحية أخرى لا بُدّ من إشراف وزارة الثقافة على هذه الجوائز ومراقبة أدائها، وهل يستفيد منها المثقف السعودي أم تذهب للخارج في ظل منافسة شرسة من المثقف العربي، وهذا من حقه، لكنّ من وجهة نظري يجب أن يشارك المثقف العربي في الجوائز الأخرى، التي لا علاقة لها بالأندية الأدبية، وتبقى الأندية الأدبية خالصة للمثقف السعودي.. فهي من أجله أُنشئت ولا بُدَّ أنْ تذهب إليه، وتشجعه وتكون مكافأة له وداعمًا لاستمراره، وإلاّ سوف يسأم في ظل ذهاب الجوائز لغيره، بينما لا يفوز المثقف السعودي في الجوائز العربية التي لا تتاح له بطبيعة الحال والأسباب كثيرة ولا تغيب عن كل ذي بصيرة.. كما أقترح أنْ يكون هناك جائزة واحدة تسمى جائزة الأندية الأدبية وتكون كبيرة وفي كل فروح الثقافة والأدب، ويُساهم بها ماليا ويُشرف عليها كل الأندية الأدبية، وتكون ذات سمعة ومكانة أدبية رفيعة على غرار جائزة الدولة التقديرية في الأدب مثلا.. ولا بأس أنْ يضع كُل نادٍ أدبي جوائز تستهدف الناشئة وتشجعهم وتكون قليلة التكاليف بحيث يؤدي من خلالها النادي الأدبي رسالته تجاه النشء، أمّا أنْ يثقل كاهله بجائزة تستنزف موارده الأدبية، وهذا ليس من صميم رسالته ولا عمله؛ فهذا ما لا أراه وجيها. ويختم الثقفي بقوله: إنَّ مفهوم الجائزة لا ينطبق على معظم الجوائز التي سنتها الأندية الأدبية لنفسها، ويُكتب لها في النهاية الفشل الذريع، لعدم المقدرة المالية، ولعجزها في نهاية المطاف عن إيجاد ممول مستمر.. ومن المعيب أنْ يعلن أي نادٍ أدبيٍّ عن جائزة لا تستمر سوى بضع سنوات، وتنتهي بذهاب من أقرّها، ويتحدّث القاصي والداني، بأننا نوزع هبات لا معنى أدبيٍّ لها ولا فائدة تذكر. معايير واضحة ويرى القاص حسن علي البطران أن الجوائز الأدبية أو الثقافية اعتراف صريح ومعلن بأن الشخص الممنوحة إليه يستحقها من الجهة المانحة لها، وقد يتوافق الجميع مع هذه الجهة اقتناعًا أو مجاملة، وهذا لا يحتاج إلى توضيح أو تفسير.. وأن إنشاء وتأسيس ومنح الجوائز من قبل الأندية الأدبية في غاية الإيجابية شريطة أن تكون هنالك معايير واضحة وموحدة بين جميع الأندية أو حتى في النادي نفسه بين مبدع وآخر؛ وأقصد عدم الوزن بمكيالين، ومن وجهة نظري لا يوجد تعارض بين الجوائز، التي تمنحها الوزارة والجوائز التي تمنحها الأندية الأدبية أو أي مؤسسة ثقافية أخرى شريطة وضوح المعايير بعيدًا عن المجاملات، وأعتقد أن الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون هي مؤسسات ثقافية من حقها أن تمنح الجوائز والتكريم لمن يستحق وفق معاييرها، والأندية الأدبية مؤسسات ثقافية أعطتها الوزارة الصلاحية وفق اللائحة أن تتبنى مشروعات وتأسيس مناشط الهدف منها الظهور بالمبدع والمثقف نحو التميز.. وأن تكريم المبدع أو منحه جائزة يعطيه دافعًا معنويًا وربما ماديًا وكلاهما يدفع بالمبدع إيجابيًا، ولا أعتقد أن هنالك من ينظر بنظرة تخالف ما ذهبت إليه من حيث أثر الجائز المعنوي على المبدع، ولكن قد تكون هذه الجائزة أو تلك تميت المبدع لو أعطيت له وهو لا يستحقها.. وفلسفة الجائزة ذات أبعاد عميقة تحمل مساحات شاسعة من الرؤى المتباينة، وإن توحدت في لحظة التكريم، ولكنها ماذا هي بعد التكريم وقبله..؟ حيث آلية الاختيار ليست سهلة وإن توحدت المعايير، هذا لو حقًا فعلت تلك المعايير إن كانت موجودة، وكلامي هنا بشكل عام ولا ينعكس على أية جائزة أو أي تكريم.. وخلاصة أن الجائزة تحيي الإبداع وتسير به نحو التألق والدافعية والتنافسية. أهلية وكفاءة ويشير الدكتور محمد أبوملحة، أستاذ اللغة العربية بجامعة الملك خالد، إلى أن مجالس الأندية الأدبية منتخبة من قبل المثقفين، ولها أهليتها وكفاءتها؛ وتعمل في ضوء لائحة الأندية الأدبية؛ ولذا أراها قادرة على وضع الضوابط المناسبة للجوائز في ضوء لائحة الأندية الأدبية، وفي إطار خدمة رسالة النادي الأدبي ورؤيته التي يفترض أن تتمحور حول نشر الثقافة، ورفع درجة الوعي، وإحياء روح المواطنة والحوار الهادف من خلال الإبداع الأدبي.. ومن هنا لا أرى أن تكون ضوابط الجوائز مركزية بالوزارة، وهذا ما يتناسب مع روح الانتخابات، ومنح المثقفين والأدباء الثقة والمسؤولية، ومحاسبة المتجاوز. سوداوية ومشبوهة ويقول الروائي أحمد الدويحي: الحمد لله الذي جعلني منذ زمن بعيد في حياتي الأدبية لا أنظر للجوائز، ولا أعيرها أدني اهتمام لدرجة أني كتبت نصًا قصصيًا كان عنوانه (الجوائز) في بدايتي الأدبية، ويبدو أني كتبته ليكون حائلًا بيني وبين هذا الطموح غير المشروع، فالمسألة ليست سوداوية في داخلي ولكن الجوائز برمتها في الداخل والخارج سوداوية، وأذكر أنه من الصدف العجيبة في حياتي مع الجوائز، إذ كنت في القاهرة برفقة الصديق القاص الأستاذ حسين على حسين، وكنا نجوب القاهرة على أقدامنا وكلما رأيت شارعًا أو عنونًا تذكرت أني قرأته في إحدى روايات نجيب محفوظ، لتكون المفاجأة ذاتها بإعلان فوزه بجائزة نوبل للأدب، ويكون حضور مجلسه في المقهى جزءًا من برنامج رحلتنا، لنشهد مدى المعنى الحقيقي للجوائز عند الفائز بها وردود الفعل في العالم العربي بأكبر جائزة دولية لبين المثقفين.. إن الجوائز تأتي تتويجًا وتثمينًا لضمير أدبي أو علمي، قدم شيئًا يفيد البشرية، ويجب ألا تمنح مكافأة لتوجه يخدم مانحي الجوائز، وللأسف فقد أصبحت الجوائز مشبوهة في كل مكان. ويمضي الدويحي في حديثه المنتقد للجوائز مضيفًا: إن استحداث الأندية الأدبية لجوائز أدبية دون شروط أو معايير أدبية، يتم بطرق عشوائية وتخضع للمجاملات ولاعتبارات أخرى لا تخدم الشأن الأدبي، والواقع أن مجالس إدارات الأندية الأدبية ذاتها الآن مزورة في انتخاباتها، وقد شهدنا تكشف الحقائق في أكثر من نادٍ وها هي القضايا التي رفعت احتجاجًا على إجرائها، فكيف بهذه المجالس تكون أمينة على الأدب، فضلًا عن جوائز تمنحها للمبرزين، وسأذهب إلى أقصى حد ففي أحد الأندية، التي نظمت جوائز للرواية، ووجدت دعمًا من خارج النادي قبل أن تصبح مجالس الأندية مطمعًا للباحثين عن المال والوجاهة، ولكن هذا النادي وجد أن إمارة المنطقة تتدخل في جائزته وتمنعها، فلماذا تنوب إمارة المنطقة عن الوزارة، وتتدخل في الشأن الثقافي وتسعى لتوجيه النادي ومن قبل هذا لتوجيه انتخاباته؟ إنها أسئلة صعبة نحتاج كمشهد ثقافي أن نجيب عنها لئلا تصبح الحالة سوداوية، ويستحيل بعد ذلك الاقتناع فقد أصبح الآن كل شيء مكشوفًا. مجاملات ومحسوبيات ويشارك عضو مجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بمنطقة الجوف، محمد هليل الرويلي، بقوله: إن الوزارة أعطت الأندية الأدبية مساحة واسعة من الضوء لنشر النور والضياء في الفضاء المحيط بكل منطقة من خلال الأندية الأدبية، وجزء مهم من ذلك التكريم، لما له من أثر بالغ على قلوب البشر، حيث يعد التكريم تتويجًا من حق الأديب أو المثقف أو المؤلف أن يحظى به، لما له من أثر نفسي ودغدغة للروح والوجدان، إضافة إلى الحق المادي المهم أن يحضى به أيضًا، غير أن الأمر المؤسف أن تلك الجوائز، التي تحددها الأندية لاتخضع بتاتًا لأي ضوابط وتحكيمات موضوعية تتوافق مع الجو الأدبي المحيط بكل منطقة، حيث يشاع في التكريم جو من المجاملات والمحسوبيات فقط من قبل بعض أعضاء مجالس الإدارة أو القائمين على الجائزة فلا الأندية الأدبية كانت قادرة على وضع معايير محددة للجائزة كعدد الإصدارات وتاريخها مثلًا أو نوعها أو أثرها على الوسط الثقافي وتأثيرها، هناك إصدارات لا تستحق أن توضع حتى على رفوف المكتبات يتم تكريم أصحابها في الوقت الذي يتغافل به ويتم تجاهل الإصدارات الغنية، التي تضم الفكرة والنص المتماثل المستوفي لمجال المنتج سواء أكان نصًا قصصيًا أم روائيًا أم نصًا شعريًا، للأسف هناك من الأندية الأدبية من ساهمت بنشر الغث على حساب السمين.. وبين هذا وذاك ييتم تقييد روح الإبداع وخنق المثقفين إلا أن التجاهل وعدم الاهتمام من قبل الأدباء والمثقفين بجوائز الأندية الأدبية ومجالات تكريمها ساهم كثيرًا في تشتيت القيمة المعنوية لقيمة الأندية الأدبية وغنيمتها.. بينما تتعالى أصوات النقد على الجوائز التي تقدمها الوزارة، لكنها في كل عام تخرج لأشخاص يستحقونها لمالهم من ثقل أدبي على مستوى الوطن. هناك فرق من حيث القيمة والدلالة والمعنى في نفوس المثقفين بين تكريم الأندية الأدبية وتكريم وزارة الثقافة والإعلام. بلا تعقيد أما القاص حسن الشيخ فيرى أن الجوائز الأدبية في كل أنحاء العالم متعددة ومتنوعة ولا يمكن إخضاعها إلى معايير ثابتة، فهناك جوائز أدبية وفكرية وعلمية وطبية في شتى أنحاء الكون، وكل جائزة لها ضوابط ومعايير خاصة بها، وما يميز جائزة عن أخرى هو في قيمتها الأدبية والمالية وشهرتها ومعاييرها الصارمة. ماضيًا من ثمّ إلى القول: لا بأس أن تقوم الأندية الأدبية بوضع جوائزها الخاصة بها طبقًا لمعايرها التي تراها مناسبة، ولا أفضل أن تتدخل الوزارة في هذا الأمر؛ بل تبقى وزارة الثقافة والإعلام جهة رقابية على تلك المؤسسات الثقافية، فتدخل الوزارة يعيد عقارب الساعة من جديد في الإشراف المباشر من الوزارة على الأندية الادبية وتنغمس الوزارة بالهم اليومي بدلًا من الوظائف الإشرافية التي يفترض أن تقوم بها.. ولا بأس أن تكون هناك جوائز دولية وجوائز وطنية وأخرى محلية، ومتفاوتة فمن يستحق الجائزة المحلية قد لا يستحق الجائزة الوطنية.. ومن يحصل على الوطنية قد لا يصل للجائزة الدولية.. فلا يجب إخضاع كل جائزة إلى ضوابط عالمية أو دقيقة معقدة.