كل شيء، إلاّ المصالح، قابل للتغيّر في عالمنا الراهن، الذي تكسّرت حواجزه الجغرافية والعقائدية، بما في ذلك العلاقات الأمريكية الكوبية التي ظلت أسيرة عملية عداء ومقاطعة، استمرت أكثر من 53 عامًا، انتهت أخيرًا باتفاق الرئيس الأمريكي أوباما، والرئيس الكوبي راؤول كاسترو على استئناف علاقاتهما الدبلوماسية في إطار عملية تصالح، كان عرّابها الأوّل البابا فرانسيس الأرجنتيني الأصل الذي أدار المفاوضات سرًّا ونجح في كسب ثقة الجانبين. لكن أغلب الفضل يعود إلى الرئيس الكوبى راؤول الذي تولّى حكم كوبا خلفًا لشقيقه فيدل، ونجح في كسر أيديولوجية متحجرة فرضت على كوبا الحفاظ على جمودها العقائدي الستاليني، رغم سقوط حائط برلين، وتفكك الاتحاد السوفيتي، ورغم التغييرات شبه الجذرية التي طرأت على سياسات روسيا وجعلتها أكثر انفتاحًا، وأقل التزامًا بالأيديولوجية الماركسية، وما من شك أن الجزيرة الكوبية سوف تتعرض لرياح تغيير عاتية، تؤدّي إلى تفكيك سريع للبنية العقائدية التي حكمت كوبا على عهد فيدل كاسترو، وجعلت منها نموذجًا لنظام شيوعي جامد، ذهب أدراج الرياح حتى في موطنه الأصلي في كل من روسيا والصين، خاصة أن فئات واسعة من الشعب الكوبي، بما في ذلك أجيالها الجديدة تتوق إلى تغيير أنماط حياتها الراهنة التي تتمثل في سيطرة الدولة على 80% من اقتصادها الوطني، باستثناء أنشطة جد محدودة يمارسها القطاع الخاص، تتمثل في ورش الإصلاح، وبعض المطاعم الصغيرة، وصالونات الحلاقة والزينة، ويعوّل الكوبيون كثيرًا على عودة السياحة الأمريكية، وانتشار الإنترنت الباهظ الكلفة الآن، وتوسيع نطاق دور القطاع الخاص، وتسهيل إجراءات السفر التي تُمكِّن المهاجرين الكوبيين من زيارة أهلهم في كوبا. ويبدو أن صفقة المصالحة التي لقيت ترحيبًا واسعًا في أوساط عديدة داخل كوبا تتضمن التزامًا أمريكيًّا بإنهاء برامج التدخل في الشأن الداخلي الكوبي، وإغلاق قاعدة جوانتانامو، ووقف اعتبار كوبا دولة ترعى الإرهاب، والالتزام بالاحترام المتبادل، والتعايش المشترك في إطار علاقات متحضرة. المزيد من الصور :