حقيقةً لا أعرف مَن أنا! لا يمكن للإنسان أن يعرف نفسه، وإلاّ مَن هو العارف، ومَن هو المعروف؟! الطريقة الوحيدة التي يمكن أن أصف بها نفسي هي بالنفي، أن أذكر ما ليس بأنا، وليس ما أنا. فمثلاً: أنا لست عقلي، لأني حتى لو فقدته، لا أزال أنا أنا. لست قلبي ومشاعري، لأن المشاعر تتغيّر ودرجة شدّتها تتفاوت، ما بين أشخاص باردين وأشخاص فائضين، وكلاهما قوة وجوده واحدة. ثم إن الأفكار والمشاعر هي من صنعنا، ولا يمكن للشخص أن يصنع نفسه! مُؤكَّدًا لست بجسدي، فلو فقدت أحد أعضائي لن ينقص وجودي. لست باسمي الذي سمانيه والدي، وحتى لو غيّرته سأظل أنا أنا. لست ذاكرتي ولا قصة حياتي، ولا مهنتي أو دوري في الحياة! معلمة، أُم، طبيبة.. مستحيل، هذا يعني أن العاطل هو شخص ميّت! أنا لست كل هذا، فمن أنا إذًا؟! هل أنا روحي؟! الروح تبدو ملتصقة بي، ولكنها لا تشملني، ثم إن للحيوانات أرواحًا أيضًا، ولكني أزيد عنها بشيءٍ ما، والذي هو أنا، ولكني لا أميّزه ولا أستطيع وضع يدي عليه. أنا وعاء يحمل كل شيء أميّزه، وعاء أو خلفية أو مراقب. هذه الأنا تتوهَّج أحيانًا حتى تكاد تظهر لنا؛ ثم يتم التشويش عليها فتخفت من جديد. صعوبة وضع اليد عليها وتمييزها هو كصعوبة شرح «ما هو الماء» لسمكة. الماء يحيط بالسمكة طوال عمرها لدرجة أنها لا تستطيع تمييزه، ولا تعرف ما هو. أسئلة كثيرة محيّرة، هل هذا الشيء الذي هو أنا منفصل عن الشيء الذي هو أنت؟ وعن الشيء الذي هو الشجرة مثلاً؟! هل هذا الشيء الذي هو أنا فعلاً موجود، أم أن الإنسان هو مجرد آلة بالغة التعقيد.. والحب مجرد هرمونات وتفاعلات كيميائية.. والأفكار هي تفاعل دماغ مليء بالموصّلات! أستطيع خفض وتيرة أفكاري ومشاعري، أستطيع أن أتوقَّف عن الحركة، هل يعني أني أتلاشى؟! على العكس عندما تقل الحركة والأفكار والمشاعر (كما في جلسات التأمّل واليوقا) تتفجَّر في الإنسان الحياة، وينتعش فيه الشيء الذي هو هو. أزل ضوضاء الأفكار.. وضوضاء المشاعر.. وضوضاء كثرة الممتلكات المادية.. وضوضاء زحمة الناس.. وستتفجّر أنت لتضيء ما بين جنبي الأرض، طاقة عظيمة مطمورة تُدوّر الأفلاك. Twitter: @arifiss