لن تحل أمورنا مهما كانت عصية أو متأزمة وإن كثرت أو تعقدت إلا بالمكاشفة والمصارحة، وليس بالتجاهل أو التأجيل ولا باللجان والخبراء ولا الحوارات أو الدراسات خاصة ما فصل خارج حدودنا فهو لا يناسبنا، إذن ما الواجب علينا في مثل هذه الأمور؟، يجب علينا أن نتشارك فيها دون تجاهل لأحد وألا نؤجل أو نفعل كالنعام، بل يجب أن نواجهها بقوة وأن نتصارح ونطرحها على الطاولة ونُشرك الجميع في حلها ولا نطلب الحلول فقط عند الجهات المسؤولة أو النخب الذين هم في بعض أمورنا جزء من المشكلة أو تفاقمها، ولنأخذ لذلك مثلًا مما يعانيه جزء أو شريحة من أبناء هذا المجتمع وهو الفقر. مستوى الفقر لا يقاس في كل المجتمعات أو البلدان بمقياس واحد فهو يخضع لدخل البلاد ومتوسط مستوى المعيشة وعدد سكانها مقارنة بدخلها - وقس على ذلك - ليس الفقر في بلادنا ألا تجد ما تأكله أو تلبسه أو تشربه فهذا متوفر واسألوا الجمعيات الخيرية والمبرات، ومن يجلس في بلادنا دون إقامة نظامية من العائلات بأكملها فهم يأكلون ويشربون ويلبسون، والدليل أنهم يعملون المستحيل حتى لا يرحلوا إلى بلادهم، فلو لم يجدوا في بلادنا ما افتقدوه في بلادهم لما تشبثوا بالجلوس. ما فائدة أن يحصل المواطن الفقير على معونة مقطوعة أو مبلغًا شهريًا والتزاماته لا تُعد ولا تُحصى أو تعطيه في مناسبة أو مناسبتين وبقية العام، أين نحن منه؟! وقد قيل قليل دائم خير من كثير منقطع - نعم بعد أن يقضى على المشكلة الأساسية في حياته بشكل مناسب ومجاني "وهي السكن، التعليم، الخدمة الصحية". فقراء بلادنا معظمهم متعففون لا يسألون الناس أو الدولة إلحافًا وعندما تنظر إليهم لا تعلم أنهم فقراء لأنهم يتسترون بستر الله، كثير ممن يعدون فقراء في بلادنا يجود الواحد منهم بما في يديه بل بقوت أهل بيته لضيفه ولمن جاء إليه سائلًا أو مستجديًا أو طالب فزعة، ويعمل ذلك راضيًا لأن ذلك قد تأصل فيه. معالجة الفقر في نظري أن يجد المواطن الفقير، أهم الضروريات الثلاث سالفة الذكر، ثم يعطى ما يقرر له من ضمان اجتماعي، ما فائدة راتب الضمان المحدود مع عدم كفايته للسكن والتعليم والخدمة الصحية والذي سوف يذهب كله في تلك الأمور الثلاث وتبقى الحاجة قائمة. علينا مضاعفة الجهود لحل هذه الإشكالية حتى لا ندور في حلقة مفرغة.. وتبقى القضية قائمة.!