في الدول المتقدمة يلعب الإعلام دوراً بالغ الأهمية في رسم التوجهات الخارجية والداخلية لتلك الدول كما يقوم بمتابعة حركة العملية التنموية في مختلف مساراتها وتحديد مواطن الخلل والقصور في مسيرتها كونه -أي الاعلام - المرآة التي تعكس نبض الميدان وحراكه حيث يتولى ذلك العاملون بالمؤسسات الإعلامية الذين يعدون من الطبقة المثقفة في المجتمع، ولاشك بأن المؤسسة الصحفية تعد الأهم في منظومة المؤسسات الإعلامية كونها ملاصقة لنبض الشارع ومتابعة لحراكه لسهولة تداخلها ومرونة حراكها داخل أروقة المجتمع وسبر أغواره بصدق وموضوعية ،لكن الحال في المجتمعات العربية يختلف عن ذلك كثيراً حيث أصبحت الصحافة مجرد أوراق مطبوعة تتداول كل يوم وقد تتحول الى سُفر للموائد الغذائية أو مناشف لتنظيف الزجاج حيث نجد الأثر المطلوب -والمفترض أن يكون- شبه مفقود حتى أصبح ذلك الحال يتداول بين الناس ويرددونه كمثل شعبي يقول كلام جرائد !! وعلى ما يبدو أن الصحافة العربية فقدت الدور الحقيقي الذي يستوجب أن تقوم به وان قامت بدور فهو بالتأكيد وفق ما يريده المسئولون فيها. ولو أسقطنا ذلك الواقع على صحافتنا السعودية لوجدناها تعيش نفس الحال فالضوابط الموضوعة من العديد من تلك الصحف لكتابات الكتاب ليست محددة بدقة والثوابت الوطنية والعقدية ليست أيضاً محددة بدقة ووضوح بل تختلف بين الصحف ، مما يجعل مقص الرقيب يتضخم حسب درجة الجرأة التي يحملها ،وهذا ما يترتب عليه وقوع الكاتب في حيرة من أمره هل يرضي ضميره فيكتب عن كل ما يلمسه في الميدان من خلل وقصور مهما كان درجة بينونته ودقة معلوماته فيقابل بمقص الرقيب المتمدد أو يواجه برفض نشر المقال أو يكتب ما يرضي المسئول وإن جانبه الصواب أو اعترته الضبابية أو خالف الواقع وعندها تصبح الكتابة مجرد ثرثرة ورقية لا تحل قضية ولا تكشف مستوراً ولا تلامس خللاً . إن خادم الحرمين الشريفين قد أدرك حجم تلك القضية فحث الوزراء على تتبع ما تكتبه الصحافة المحلية بصورة خاصة وما يتناوله الإعلام المحلي بصورة عامة وأخذه في الاعتبار والرد على ماينشر فيه ،لكن ذلك التوجيه الكريم لم يستوعبه البعض واستمر تظللهم بتلك المحاذير المتمددة التي لايجني الوطن من ورائها الا المزيد من ممارسات الفساد المالي والإداري الذي ينخر جسد التنمية ويشتت مساراتها وهذا أيضاً ما يتعارض مع رغبة قيادتنا الرشيدة التي تكرر في كل محفل من المحافل الوطنية ضرورة محاربة الفساد المالي والإداري واجتثاث جذوره وسد منافذه . ومن هذا المنطلق الوطني أتمنى من كافة الصحف في وطننا الحبيب أن تقوم بتوسيع دائرة الطرح في مناقشة القضايا التنموية وفق محددات واضحة ومحددة وموصوفة يعلمها الجميع وان تأخذ تلك الصحف في الاعتبار ذلك الانفتاح العولمي الذي نعيشه وخاصة في مجال الاعلام الجديد الذي أصبح في متناول كل فرد كما أصبح الحصول على المعلومة في متناول كل الايدي لحظة بلحظة وعند تجاهل ذلك أرى أن الدور الصحفي عندنا سيفقد أهميته ويفقد المواطن الثقة فيه وهنا يصبح ذلك الدور الاعلامي وخاصة الصحفي منطلقاً سلبياً يسهم في تعميق دائرة الفساد الاداري والمالي بدلاً من محاربته. ولعل المتابع لما يكتبه الكتاب في صحافتنا هذه الايام يجد ضمور التفاعل مع المقالات الجادة التي تلامس الجروح التنموية من قبل المسئولين على مختلف مستوياتهم وكذلك أفراد المجتمع بينما نجده ينتعش مع المقالات ذات الطابع الممجوج وعلى ما يبدو أن الفن الهابط قد ألقى بظلاله على ميدان الصحافة ثم يبقى الشئ الغريب والمؤسف أن الغالبية من الشباب يتجهون الى مثل ذلك الهبوط ، أدعو الله أن يحمينا ويحمي وطننا الحبيب وأهله الميامين والله من وراء القصد .