موضوع المعاني والسرقات طالما شغل الباحثين والنقاد في شأن الشعر العربي القديم خاصة حيث وضعت فيه عدة كتب تعالج وضعه الفني والشعري والنقدي في القديم بل إنه أصبح مطية سهلة للاتهام كما فعل "الصاحب بن عباد" عندما وضع بهتانًا كتابًا عن سرقات المتنبي، شاعر العربية الكبير المقتدر الذي ليس في حاجة إلى سرقة شعر غيره بل كان هو الذي يعطي المعاني المستجدة والمستحدثة لغيره، وهو بكل ذلك وبعده (مبتكر المعاني) ويزول اللبس إذا تصورنا سبب وضع: (الصاحب بن عباد) هذا الكتاب إذا عرفنا رفض المتنبي لمديح الصاحب بن عباد رغم المغريات التي عرضها الأخير عليه، وإلى يومنا والاتهام بالسرقة سلاح قذر يتخده الأعداء في محاولة النيل من غيرهم من المبدعين. وعندي أن موضوع السرقات قد بولغ في شأنه كثيرًا وضخم وأعطي أكثر من حجمه وخضع للمزاجية من الرضا والغضب وصدق عليه قول الشاعر: وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا والاتهامات بالسرقة التي نرى كتب النقد القديمة تتحدث عنها عن شعراء عديدين وخاصة في العصر العباسي تزول بقدرة قادر عن شاعر جاهلي، فعندما قال الشاعر الجاهلي: امرؤ القيس بيته الشهير في معلقته المعروفة: وقوفًا بها صحبي على مطيهم يقولون: لا تهلك أسى وتجمّل قال الشاعر الجاهلي الذي قضى شابًا "طرفة بن العبد": وقوفًا بها صحبى على مطيهم يقولون: لا تهلك أسى وتجلّد فإن كان هناك مفهوم سرقة فليس أوضح من هذا لكن العرب عبرت عنه: "إنه من وضع الحافر على الحافر" وكأنه توارد خواطر بالمفهوم النقدي الحديث. لكن المتنبي شاعر العربية العظيم برر للسرقات بتبرير ذكي حيث قال: "الشعر جادة فلربما وقع الحافر على الحافر". وفي العصر الحديث جاء مفهوم "التناص" الذي ألغى تقريبًا معظم السرقات ولو ظهر هذا المفهوم في العصر العباسي لكفى النقاد مؤونة التعب في البحث عن السرقات، ولعل الناقد الأوروبي الذي قال: "ما الأسد إلا بضع خرافٍ مهضومة" قد حل هذا الإشكال مع أن العرب قد قالت قولًا مشابهًا حين قالت: "كل الصيد في جوف الفراء" لكنها لم تنتبه له في خضم السعار النقدي المجنون الذي عصف بكل شيء.