أمير جازان يستقبل رئيس جامعة جازان الدكتور محمد بن حسن أبو راسين    الجمعية التعاونية الزراعية التسويقية بخميس مشيط تطلق مبادرة «تمكين"    بدء الاستعدادات لتنظيم النسخة الثانية من المؤتمر الدولي للعواصف الغبارية والرملية نهاية 2026م    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    وزير الخارجية يصل إلى مسقط    أمانة منطقة حائل تحصد المركز الأول في مسار الجهات الحكومية بجائزة أمير حائل للتميز البيئي    محافظ الطائف يطلق مبادرة "شتاؤهم عون ودفء"    جناح إمارة مكة المكرمة يقدم عرضًا تعريفيًا عن محافظات المنطقة ضمن مهرجان الإبل    مستشفى الملك خالد بتبوك يحقق إنجازات نوعية    "التخصصي" يحقق جائزة "أبكس" للتميّز من الجمعية الأمريكية للرعاية التنفسية    محافظ أحد المسارحة يهنئ سعاد عسيري بمناسبة تدشين روايتها «نبيّة وبيوت الموت»    الذكاء الاصطناعي بكامل طاقته: كيف سيبدو عام 2026 بالنسبة للمؤسسات في المنطقة    بين الملاحظة و«لفت النظر».. لماذا ترتاح المرأة للاهتمام الذي لا يُطلب !!    الإدارة العامة للاتصالات والأنظمة الأمنية تدعم الجاهزية التشغيلية في معرض «واحة الأمن»    هبوط الين أمام اليورو والفرنك السويسري    زراعة النخاع العظمي الذاتية تسجل نجاحها الثالث    فقيه للرعاية الصحية تطلق برنامج دعم الابتكار في DeveGo 2025    مدرب نابولي: بلغنا النهائي بجدارة واستحقاق    خطط «الصحة» على طاولة أمير القصيم    تنوع بيولوجي في محمية الملك سلمان    «الشؤون الإسلامية» في عسير تنفذ 30 ألف جولة رقابية    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن في جازان    شراكة نوعية لتعزيز الخدمات الصحية والمجتمعية في الباحة    سحب 5.5 ملايين متر مكعب من مياه الأمطار في الشرقية    الأخضر خرج خالي الوفاض    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. سمو وزير الدفاع يُقلِّد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    تقدم في نزع الألغام ببابنوسة.. تحركات دبلوماسية لوقف النار في السودان    روسيا تشكك في جدوى المبادرات.. زيلينسكي يرفض التنازل عن الأراضي    هيئة «الشورى» تحيل تقارير جامعات لجلسة المجلس    جهود أمين جدة وسرعة الإنجاز لشبكة تصريف الأمطار    أين يبدأ التنمر الوظيفي وأين ينتهي؟    عراقجي: التكنولوجيا باقية رغم الضربات.. إيران تقر بتضرر منشآتها النووية    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. وزير الدفاع يقلد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    معرض جدة للكتاب 2025 يختتم فعالياته    القراءة.. الصديق الذي لا يخذل    من هن النسويات؟    بناء القدرات وتبني الابتكار وتعزيز الشفافية.. السعودية تتقدم في مؤشر أداء الأجهزة الإحصائية    فتح التقديم للابتعاث لمرحلة الإقامة الطبية بألمانيا    في أولى جولات كأس أمم أفريقيا 2025.. مصر تواجه زيمبابوي.. ومالي تصطدم بزامبيا    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن بجازان    «الآسيوي» يعتزم إطلاق «دوري الأمم»    إرادة تتغلب على الإعاقة    بهدف تعزيز بيئة العمل الداخلية.. وزير«الموارد» يدشن «الغرف الإبداعية» بالجهات الحكومية    الانفصال.. خيار مستحيل جيوسياسيًا في اليمن    معالي نائب وزير الرياضة يتوّج الأمريكي "تيين" بلقب بطولة الجيل القادم للتنس 2025    المحسن يكتب.. وَهَبهم البطولة والإنتصار .. بأهدافه وتخطيطه المكّار    طربيات «موسم الخبر» تبرز فن تركي عبدالعزيز    أنغام تودع عاماً وتستقبل عاماً في «ليلة الحب»    ألمانيا: إصدار أكثر من 100 ألف تأشيرة في إطار لم شمل عائلات اللاجئين في 2025    لغة نصفق لها ولغة نستخدمها    منهج الاحتلال.. استيطان وعنف    الصراع الإسرائيلي الإيراني بين الضربات العسكرية وحسابات الردع    قرارات تطويرية لتكامل المنظومة الدينية بالحرمين    في كل شاب سعودي شيء من محمد بن سلمان    بر الشرقية تستعرض برامجها التنموية بمحافظة العديد    بيان مديراً لمستشفى الأمير عبدالمحسن    مشلول يتحكم في روبوتات بإشارات الدماغ    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرية (التناص) في النقد الأدبي بين الشعر الفصيح والشعبي
نشر في الرياض يوم 08 - 11 - 2010

الشعر - كما اللغة - تفاعل وتطور وتراكم أيضاً.. فالمبدع من الشعراء لا ينضج إلا بعد قراءة ألوف الأبيات لكبار الشعراء ثم يشق طريقه الخاص..
وقد استشار شاب موهوب أبا تمام قائلاً: كيف أبدع في الشعر؟ فقاله له: احفظ مئة ألف بيت من جيد الشعر ثم انسها..
والشعراء أكثر من يقرأ للشعراء برهافة، بما في ذلك شعراؤنا الشعبيون، يتجلى هذا في (تضميناتهم) المباشرة للشعر الفصيح، وانعكاس كثير من المعاني القديمة في أشعارهم..
إن المبدع ينجذب لروائع الإبداع كما تنجذب الفراشة لنسيم الحدائق، أو لنقل كما تنتقل النحلة بين أنواع الزهور ثم تخرج لنا العسل المُصَفَّى..
إنه لايُوجد شيئاً من العدم إلا الله جل وعلا، أما الآداب والفنون والعلوم - وكل الإنتاج البشري - فهو يعتمد على مخزون التراث وتجارب الآخرين وتراكم المعاني والصور، ولكن المبدع حقاً هو من يجعلها تلبس ثوباً جديداً متميزاً.. وقديماً قال الجاحظ ما معناه إن المعاني مطروحة في الطريق والفضل للأسلوب..
وإذا استعرضنا شعرنا الشعبي وجدناه (يتناص) مع الشعر الفصيح في المعاني والصور والألفاظ فضلاً عن الأغراض، مع تركيزه أو تفرده الطبيعي بظروف عصره ومستجدات بيئته، ولكن اللغة ظلت رابطاً أعظم رغم شيوع اللحن، فهو - اللحن - لاينقص المشاعر ولاالصور ولكنه يضعف السيرورة والانتشار، أما الشعر فهو (موهبة) توجد عند المتعلم والعامي والموهبة صفة، فالكرم مثلاً يوجد عند العامي والمتعلم جداً، والبخل كذلك، والمواهب تتغذى عبر ثقافة متواصلة متوارثة وكل موهوب ينتقي منها - بشعور أو بدون - ما يعجبه ويرطبه ويناسب موهبته، ولهذا نجد قصائد الشعر - فصيحة كانت أم عامية - تشبة (الفسيفساء) ذات التراكيب والألوان المختلفة، ولكنها لو فككت لعادت إلى أصولها فهما تكن موهبة الشاعر متفردة فلا غنى له أبداً عن تراثه وموروثه ليستطيع التواصل والتوصيل بل والإبداع أيضاً بشخصية متفردة في شكلها العام مبعثرة في جزئياتها كما الفسيفساء إذا تم تفكيكها..
حين يقول حميدان الشويعر:
(
أنا أدري بعلم اليوم والأمس بما جرى
وباكر بغيب والأمور وقوع)
فإنه (يتناص) مع قول زهير بن أبي سلمى:
(وأعلم عِلم اليوم والأمس وقبله
ولكنني عن علم ما في غد عمي)
والمعنى يدركه الجميع وإنما الفضل للصياغة، وقول حميدان (والأمور وقوع) أقوى من قول زهير (.. عن علم ما في غدٍ عمي) لأن فيه إضافة المفاجآت للقادم..
وإذ يقول محمد القاضي:
(إلى حصل لك ساعة وأنت مشتاق
فاقطف زهر مالاق، والعمر ملحوق)
فإنه يتناص مع قول الإمام الشافعي:
(إذا هبت رياحك فاغتنمها
فإن لكل خافقة سكون)
ونظرية (التناص) في النقد الأدبي نشأت حديثاً، وكانت أكثر تسامحاً - أو لنقل دعيا بالإبداع - من قاعدة (التضمين) الواردة في كتب البلاغة القديمة، أو كتب النقد القديمة التي اتهمت معظم الشعراء بالسرقة، حتى إن بعض النقاد - أو الحساد على الأصح - أعاد جميع أبيات المتنبي لغيره من الشعراء والحكماء والفلاسفة بما فيهم أرسطو وأفلاطون معتقداً أنه ينتقصه ويجرده من الشاعرية بهذا التصرف الأحمق..
مثلاً أعاد قول المتنبي:
(وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام)
لقول ارسطو (إذا كانت الشهوة فوق القدرة كان تلف النفس دون بلوغها)!
وأعاد قول أبي الطيب:
(وما الحسن في وجه الفتى شرفاً له
إذا لم يكن في لفظه والخلائق)
إلى أن أرسطو رأى رجلاً حسناً فاستنطقه فإذا هوعيي فقال (نعم البيت لو كان فيه ساكن)!
أما قول المتنبي:
(من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام)
فيراه مسروقاً من حكمة أفلاطون «النفس الذليلة لا تجد ألم الهوان والعزيزة يؤثر فيها يسير الكلام»! وهكذا بشكل متكلف ممجوج، ولكن ماذا كان جواب المتنبي على هؤلاء وأمثالهم:
«أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
واسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء عيوني عن شواردها
ويسهر الخلق جرّاها ويختصم»
لقد (سرق) باب السرقات الشعرية جهود الكثير من نقادنا القدماء فضاعت سدى، ولكن فيهم من يفهم (التناص) فعيد أكثر من ذلك إلى توارد الخواطر و(وقوع الحافر على الحافر) كما يعبرون..
أما القزويني - فمع اعتداله النسبي - يعتبر أخذ المعنى مع تغيير الأسلوب (سلخ) أما أخذه مع بعض اللفظ فهو (مسخ) (التلخيص 409) ولكنه يعتبر التضمين من البلاغة وهو (أن يضمن الشعر شيئاً من شعر الغير مع التنبيه عليه إن لم يكن مشهوراً عند البلغاء) ص424.. ولعل التضمين بهذا يدخل في نظرية التناص في النقد الأدبي ولكن من الذاكرة الواعية لا العقل الباطن..
فقول الشاعر الأندلسي:
(جاءك الغيث إذا الغيث هما
يا زمان الوصل في الأندلس)
ضمنه شاعر شعبي مجيد لا يحضرني اسمه الآن فقال
«يا حمام من على السدرة لعا
هيض الأشواق وأنا بمجلسي
جر صوته ثم جريته معا
واشتعل منا المحيط الأطلسي
للوليف اللي لمحبوبه رعى
ما يبي ذكرى المحبة تفلسي
إن ذكرته قلت للي يسمعا:
(يا زمان الوصل في الأندلس)»
وكبار شعراء العربية يدخلون في نصوصهم - عمداً - نصوصاً مشهورة منسابة كأنه جزء من النص الأصلي لولا وضعها بين حاصرتين.. لمن لا يدركها.. وهو عند الجواهري كثير، كقوله في وصف حياة الشعراء:
وعيشاً إذا استعرضته قلت عنده:
(كفى بك داء أن ترى الموت شافيا)
ومضمناً جزءاً من بين أبي الطيب:
«كفى بك داء أن ترى الموت شافياً
وحسب المنايا أن يكن أمانيا»
وقوله:
ولما كنت كالفجر انبلاجاً
(وكالعنقاء تكبر أن تصادا
مشيت بقلب ذي لتد هصور
(تعاند من تريد له عنادا))
مضمناً بين المعري:
«أرى العنقاء تكبر أن تصادا
فعاند من تطيق له عنادا»
ولا يعجز الجواهري - وهو الشاعر الفحل - أن يكمل الشعر بصور من عنده، ولكن التضمين هنا يمنح شعره القوة.. ويصله بتراثه العريق..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.