بعد عودتي من الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1400ه /1980م لم يكن بإمكاني امتلاك بيت للسكن، لكن الله مَنَّ عليَّ ببعض الأصدقاء، فاشترينا أربع قطع أراضٍ على سفح جبل أحد، وبالتقسيط من أحد الصالحين. لكن وقبل نهاية العام توفاه الله، ولم نتمكن من سداد الأقساط في حياته فاضطررنا لبيع القطع، وسددناها بحمد الله، حيث رزقنا الله بمن اشتراها منا بمكسب معقول، بقيت الفلوس (تأكل يدي) إلى درجة أني ذهبت إلى جدة لشراء سيارة (فان) بسبعين الف ريال. لكن لحظات (بخل وتردد والحمد لله) دفعت بي إلى إلغاء الفكرة تمامًا، بعد ذلك حاولت التفكير بطريقة منطقية وعملية وتوصلت أخيرًا إلى أني لن أتمكن من فعل أي شي دون مساعدة آخرين، وكنت يومها رافضًا فكرة الاستدانة من أي أحد، بل حتى أني رفضت فكرة الاستفادة من صندوق التنمية العقاري رغم سهولة الحصول على القرض آنذاك، وأخيرًا توصلت إلى فكرة إقامة مشروع تعاوني لبناء عمارة سكنية عائلية، فما الذي يمنع من اجتماع ثلاثة أو أكثر لتنفيذ الفكرة، فقمت بعرضها على مجموعة من الأصدقاء المقربين، ووجدت قبولاً لدى أحدهم، بل أصبح هو من يدفعني إليها دفعًا، إلى درجة أنه بات يقنعني بها بعد أن كنت داعيًا لها، وبدأ بالفعل جهوده للبحث عن شريك آخر فوجد أخاه الأكبر منه، وواصل جهوده بحثًا عن قطعة أرض تناسب الفكرة سعرًا وموقعًا، وأخيرًا وجدها، وتواعدنا عصر أحد الأيام وأخذني إلى أحد المخططات المتميزة داخل المدينة، وقريبًا من المسجد النبوي نسبيًّا، وبالفعل أتممنا شراء القطعة بما توفر لدينا، ودفع كل واحد منا ثلث المبلغ، ثم قام هو بطلب القرض من الصندوق باسمه، وكان ميسورًا فتم الحصول على القرض في وقت وجيز، وبدأت الخطوات العملية فتم تصميم المشروع، والاتفاق مع المقاول وإجراءات الحصول على الرخصة، وبالفعل تحوّلت الفكرة إلى واقع وحقيقة ماثلة للعيان، وبفضل الله قام بعض الأفاضل بتنفيذ الفكرة نفسها! واليوم أراني مضطرًا لعرض الفكرة بين أيدي القرّاء الأفاضل لعلّ أحدًا، أو مجموعة يستفيدون منها، خاصة مع مشكلة ارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش في كل شيء! صحيح أن بعض الأمثال الدارجة تحذر من (ش و ك) ويقصدون الشراكة والوكالة والكفالة، وقد يكون هذا التحذير صحيحًا بدرجة عالية، ولكن رغم ذلك فإن مشروعنا كان ناجحًا رائدًا بفضل الله وبتوفيقه، لأننا اتبعنا أسلوبًا عقلانيًّا عمليًّا، فكانت الكتابة والتسجيل لكل صغيرة وكبيرة، بل وكتابة اتفاقية واضحة المعالم والإشهاد على ذلك، حماية للعلاقة الأخوية التي بيننا وإنجاحا لمشروعنا الفريد في مجتمعنا، والحمد لله قضينا خمسة عشر عامًا جيرانًا متحابّين ومتعاونين، وبيننا علاقات عائلية وجيرة حسنة لا تزال باقية وستظل بعون الله، وقد كان هذا النجاح مبنيًا على بعض الأسس التي من بينها تعميق روح الأخوة والتعاون والتسامح والتنازل للبعض في مواقف الاختلاف، وقد حدثت بعض الاختلافات بيننا، لكن سرعان ما نعود إلى المبادئ التي اتفقنا عليها، ولعل تخوّف عامة الناس من مثل هذه الأعمال ناتج عن بعض التجارب السلبية التي لم تُبن على أسس واضحة وكتابة لكل المجريات، وربما كانت العاطفة تطغى على العمل، وهي غير مأمونة الجانب فهي كتيارات البحر بين مد وجزر، وهذا لا يحقق أي نجاح لأي عمل، بل لابد من تحكيم العقل المبني على الشرع والسعي للمصلحة الأكبر، وهذا ما أدعو إليه اليوم وتفعيل هذه الفكرة وخاصة بين الأهل والأقارب والأصدقاء، فظروف الحياة صعبة خاصة مع ارتفاع الأسعار، وظروف العمالة وغيرها، فهل من مبادر؟ [email protected]