لاشك أن من أصعب ما نعيشه في حياتنا هي هموم اليوم، وكذلك مواجهة مشكلاتنا بأنفسنا، وما أجمل أن يفتح أحدنا قلبه لصديق يعتز به ليبوح له بهموم يراها كالجبال، ويراها صديقه صغيرة لا تستحق ذلك التهويل، هذا واقع لا مناص من وجوده، ولا سبيل لمواجهته إلا بأسلوب السهل الممتنع، لا تعقيد ولا تضخيم، هكذا يجب أن يكون الأمر، لكنه أحيانًا يكون مختلفًا، فأنت في الموقف غير من يكتب أو يتحدث، وتيرة التألم والتضجر تبلغ مداها، لا تستطيع التحكم فيها إلا بسلاح الصبر، السلاح العظيم، المضيء الطريق للمؤمن، الميسر للهموم، الجالب للسعادة إذا كان صبره لله وفي الله، قد تكون أسعد الناس بصبرك، وأكثر الناس جلدا بحلمك، فلا يأس يختلجك، ولا ألم يعتصرك، ابتسامتك تروي عطش الحزين، وملاطفتك تفتح الأبواب الموصدة، وبين هذا وذاك يتحدد مسارك واتجاهك لنيل المكانة والمحبة في قلوب أصدقائك، تكون بعيدًا عنهم برسمك، وتوجد معهم بذكرياتك، ترتفع همّتك وتبدأ همومك بالزوال بعد أن فوّضت أمرك إلى الله، واستفدت من استشارة صديق ونصيحة مُحب، فأصبحت أنت شخصًا آخر لا يتوانى في تقديم خدماته لإخوانه بمفهوم الحديث العظيم (من مشى في حاجة أخيه حتى يثبتها له ثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام)، تذكر أنك لست وحدك الذي تصيبه الهموم والغموم، ولست وحدك الذي يستطيع مواجهتها، فهناك سيل من الذين يعتصرهم هذا الواقع المؤلم، وبعضهم يستيقظ منه وهم أكثر ثقة وأكثر ثباتا، وبعضهم ربما يضل الطريق، فلا يهتدي للطريق الصحيح، ولا يدري إلى أين يسير، وتتعطل محركات عقليته المستنيرة لتصبح عقيمة، ويصبح عضوا كئيبا منغلقا لا يرى إلا رأيه ويقاطع جميع الناس. سعادة لا توصف ذات مرة كنت أستمع الى حديث لرياضي صديق في زيارة عابرة له من الذين غادروا الساحة الرياضية مبكرا، كان من المرموقين الذين يُشار إليهم بالبنان ويجمع بين الخلق والدين، قال لي: تصدق أن بعض اللاعبين المشهورين من أمثالنا يعيش أحيانا همومًا لا تنتهي ومعاناة كبيرة وضغوطًا نفسية بسبب المحافظة على مكانته كلاعب مشهور، ونجم لا يشق له غبار، وقد لمستُ ذلك في نفسي في فترة مضت، وعايشتها مع نجم مشهور كان يشاركني اللعب في النادي، جاء إلي في إحدى المرات يقول: إني أعيش آلامًا وهمومًا كبيرة، ولا أشعر بالسعادة رغم ما أملكه من مال. قلت له: من الطبيعي أن يعيش أحدنا ذلك، ولا سيما إذا كان مفرطًا فيما بينه وبين ربه، قال لي: وما الحل. قلت له: أصلح ما بينك وبين ربك وأكثر من ذكره ومن قراءة القرآن، وكثّف من ذلك وستذهب بإذن الله. وذهب من عندي ولم أتعرض للحديث معه في شيء طيلة أيام ثلاثة، فإذا به يأتيني فرحًا سعيدًا كأنه ملك الدنيا بين يديه، سألته عن سر ذلك، فقال: لم أكن أعلم أن في القرآن سعادتي، وزوال همومي وغمومي.