منذ أكثر من ثلاثين عامًا قررتُ قطع علاقتي بالمستشفيات، والمراكز الصحية الحكومية، والتوجّه نحو العلاج المدفوع في المؤسسات الطبية الأهلية، وقد كان معظمها في تلك الفترة -على قلتها- متميّزًا يسعى إلى إرضاء الزبائن بشتّى الطرق، خاصة وأن قضية التأمين الطبي لم تكن قد فردت أجنحتها علينا، ولكن بعدما تم تطبيق التأمين تحوّل معظم تلك المستشفيات إلى حراج علاجي يمارس عمله وعينه على جيوب المرضى، مع عدم مواكبة كثافة عدد المرضى بتطوير مستوى الأداء وتلبية الاحتياجات اللازمة بصورة راقية ومتكاملة! قبل فترة اضطررت للذهاب إلى العيادات الخارجية بمستشفى الملك فهد بالمدينةالمنورة لعرض حالة زوجتي على طبيب مختص، لم أكن أتصوّر أن الوضع سيكون كما رأيت وللأسف الشديد، فمنذ اقتربنا من الموقع كان ازدحام سيارات المراجعين والمرضى في استقبالنا، ونظرًا لحالة زوجتي حاولت إنزالها قريبًا من العيادات، ففوجئت بعدم وجود مخرج للطريق الموصل للعيادات، ناهيك عن وعدم توفر موقف مناسب لسيارتي، بسبب عدم وجود تنظيم لوقوف السيارات التي اصطفت على الجانبين؛ ممّا ضيّق الطريق أكثر، وجعل من الصعوبة الخروج، لكن حاولت وتمكّنت من الخروج، وبكل صعوبة في نهاية المطاف! وبين أروقة العيادات الخارجية فوجئت بأن أكبر مشكلة بها هو الازدحام الشديد في الممرات مع ضيق المكان، وجلوس أغلب المرضى على الأرض، أو وقوفهم عند أبواب العيادات انتظارًا للسماح لهم بدخولها، ويبدو أن مبنى العيادات وكأنه شُيّد منذ عشرات السنين، ولا يمثل العصر الذي نعيشه، فأشرعت نحو زوجتي والتي كانت تنتظرني خارج المبنى لأخذها والعودة إلى بيتنا المبارك! عدت إلى بيتي والألم يعتصر قلبي حقًّا وليس مجرد زعم أو وهم، فما رأيته أكد لي ضرورة البقاء على ما سبق لي وقررته من عدم التعامل مع المستشفيات الحكومية من أجل العلاج، ولكن وللأسف ليست المستشفيات الأهلية على كافة مستوياتها ودرجاتها (في المدينةالمنورة على الأقل) بأفضل من شقيقاتها الحكومية، وهذا حال لا يحسد عليه ساكن المدينةالمنورة جار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما يقول المثل العامي: "من جرف لدحديرة"!! كتبتُ قبل عام، وفي هذه الزاوية عن هذه المشكلة، وتكرّمت مديرية الشؤون الصحية بالمدينةالمنورة بردها الروتيني الذي يعدد حسنات المديرية، ويكاد ينفي أي قصور أو خلل، أو غياب للخدمة الصحية الحقيقية والصحيحة، وكأننا نعيش في مدينة طبية فاضلة، ولأن طريقة الرد تدل على أن الرغبة في التعرّف على مكامن الخلل غير متوفرة -وللأسف- إضافة إلى عدم وجود مؤشرات واضحة وقوية على الاعتراف بوجود مشكلات تتفاقم يومًا بعد يوم في المجال الطبي، فإن على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاوموا كافة الأمراض بكل ما لديهم من وسائل، وعدم الوقوع في براثن المرض؛ لأنه لا أحد يهتم بهم، ولا يعنيه صحتهم ومعاناتهم مع المستشفيات الحكومية والأهلية معًا! [email protected]