يبدو أن الأزمة الأوكرانية لن تنتهي قريبًا. وسواء انتهت حربًا أو سلمًا، فإن لهذه الأزمة -لا شك- دلالات مؤلمة بالنسبة لمعشر العرب والمسلمين، الذين هم المستضعفون اليوم على مستوى الكوكب الكبير، لا بسبب تسلُّط الأعداء عليهم فحسب، وإنما لأن ضعفهم من عند أنفسهم، فهم الذين يُجيدون أولاً نصب المكائد لبعضهم بعضًا، وهم أشد من الأعداء مكرًا ببعضهم بعضًا. أثبتت الأزمة الأوروبية الشرقية أن لا صوت يعلو فوق صوت القوة، وأن لا سياسة تتجاوز سياسة العضلات المفتولة، والأسلحة الفتاكة. كل ما يُقال عن المبادئ التي قامت عليها عصبة الأمم ذهبت أدراج الرياح هباءً منثورًا. ولمن شاء التأكّد، فعليه مراجعة بنود الميثاق الأممي حتى يتأكّد أن ليس منها ميثاق واحد التزم به الأعضاء جميعًا، ابتداءً بالقدوات المفترضة، ممثلة في القوى العظمى التي وعدت شعوب الأرض بجنة موعودة يشوبها السلام، وتسود فيها المبادئ، وتتساوى فيها شعوب الأرض. وحتى المنظمات المنبثقة من البيت الأممي الكبير لم تنجح في تدعيم رؤيتها المكتوبة، ولا رسالتها المنمّقة، ولا أهدافها المسجّلة بعناية. باختصار يعاني العالم مجاعات هائلة سببها الإنسان الذي زعم أنه أخو الإنسان، ويسود العالم فقر بسبب سياسات وضعها الإنسان، زاعمًا أنها لرفاهية الإنسان. وتنتشر في العالم حزمة من الأمراض التي صنعها الإنسان عبر أنانيته المفرطة. كل ما في الكوكب من رزايا صنعها الإنسان القوي أولاً بحكم سلطانه الجائر، وهواه الحائر، ثم اتبعه الإنسان الضعيف لأنه أحب أن يكون كذلك ضعيفًا مستسلمًا يلهث خلف المتبوع يجر أذيال الهزيمة، حتى لو دخل جحر ضب لسارع إليه. وحسِبَ الناسُ أن القرن الحادي والعشرين سيكون أفضل حالاً ممّا مضى، ففلسفة القوي هي الطاغية، ولغة المنطق دائمًا متراجعة. اليوم تستعرض روسيا عضلاتها التي لم تتحرك منذ أمد إلاّ في الشام الجريح تأييدًا ودعمًا للطائفي، البعثي، الغادر، الفاجر، الحقود. يبدو أن الأيام حبلى بآياتٍ ونذرٍ لن يُحسن تدبّرها إلاّ العقلاء والحكماء، وعسى أن يكون مِن هؤلاء مَن يُحسن اقتناص الفرص، ويُجيد الاستفادة من الدروس، من العالم العربي المجيد. [email protected] [email protected]