بعد جلسة جميلة في منتجع على البحر ورفقة ممتعة، قررت أن أنظر حولي لرؤية الأشياء الإيجابية، والكتابة عنها، لأن الكوارث والحوادث وأخبار التفجيرات والقتل والدمار، المنقول بالصوت والصورة على الفضائيات، خصوصًا أحداث سوريا، والإرهاب في مصر، وتفجيرات لبنان، كل هذا أنهك أعصابنا ولم نعد نحتمل المزيد. الصحف أيضًا تنشر التحقيقات حول الجرائم وقضايا الفساد، وكل ما حولك أوصلك الى حالة لا تعرف توصيفها الدقيق، هل هي غضب، أو أنك على حافة الاكتئاب والمرض النفسي! نحن الكتاب -أيضًا- نزيد الأمر سوءًا بالتركيز على السلبيات والنقد، فلا يعجبنا العجب ولا الصيام في رجب، لا نُصدِّق مصيبة إلا ونشبع فيها لطمًا على رأي إخواننا المصريين. قنوات التواصل الاجتماعي تطاردك بما تحاول الهرب منه، لذلك لابد أن تتحصّن بالنظرة الايجابية للأمور، وتنظر إلى النصف المملوء من الكوب، وتتجاهل النصف الفارغ، أي تنظر للأمور نظرة إيجابية. النظرة الإيجابية، تعني أنك تغض الطرف عما يسوء، تهمله، تطنّشه، (طنش، تعش، تنتعش)، هذه العبارة ظهرت في فترة ماضية كصرعة من صرعات الشباب، واللامبالاة بالأحداث، أو أن النظرة الإيجابية، هي البحث عن الأمور الجيدة، المفرحة، حتى لو كانت نقطة ضوء وسط الظلمات، تكفي لأن تجعلك تبتسم، تتيقن أن نقطة الضوء ستصبح شمسًا تُبدِّد الظلمات في يومٍ ما، وهذا كافٍ لأن تعيش الفرح. النظرة الإيجابية هي الدنيا ربيع، والجو بديع، وكل السلبيات والقضايا السوداوية لا وجود لها، أو أنك لا تراها، كأنها ليست موجودة، كي تكون إيجابيًا لابد أن تؤمن بنظرية نصف الكوب المملوء، حتى لو كان فارغًا، تخيّل أن نصفه مملوء بماء زلال، أو عصير فاكهة تُحبّها، الخيال ميزة إيجابية، عن طريق الخيال أنتجت كل الأعمال الإبداعية الفنية والروايات والمسرحيات، والمسلسلات التركية، والكورية، وحريم السلطان رغم أنه مسلسل تاريخي إلا أن خيال السيناريست أضفى عليه الكثير؛ ليصل به إلى هذا النجاح الساحق، واستطاع أن يجعل المشاهد لا يرى غير نصف الكوب المملوء بالحقائق. لن أرتدي جلباب الناصح، ولكني أُعبِّر عن الحيرة التي تورّطت فيها منذ قررت أن أكون إيجابية، وأكتب كلامًا إيجابيًا في هذه المقالة، وأن أبحث عن الأمور الإيجابية التي يمكن الكتابة عنها، ولكن كلما رأيت نقطة ضوء تلوح في الأفق، قبل أن تقترب أرى ما يحيط بها من سلبيات فأغض الطرف عنها وأبحث عن أمر أكثر إيجابية يمكن أن أكتب عنه بكل ثقة أنه هكذا، لكني لا أرى غير نصف الكوب الفارغ، أو الكوب فارغًا تمامًا. مرة أخرى أنا أحاول التدرب على الرؤية الإيجابية للأمور، مثلا: عندما تشرق الشمس كل يوم وأنت تتنفس فهذا كافٍ ليملأ يومك بالتفاؤل والفرح، يمكن أن تواجه العديد من المنغصات، بعضها يصل حد النكد، لكن تمسّك بالأمل، وكن إيجابيا! كالعصافير التي تنتظر الشمس كل صباح انتظر ياصديقي الفرح. كالعاشق الذي ينتظر الليل الغارق في السكون كي يناجي القمر وطيف الحبيب النائي وهو مطمئن أنه يسكن معه نفس المدينة ويشاهد القمر الذي يناجيه. كنسمات الصباح تضخ آهات الشوق في قلوب العاشقين. أو كشاعر تخيل نسمات الصباح هي قنواته الحسية يرسلها إلى غرفة الحبيب، تتسلل من نافذة غرفة نومه تمر على وسادته، ربما تُوقظه، أو تلمس زجاجات عطره، ثم تعود إليه محمّلة بشذى عطر المحبوب، وهو جالس على مقعده الوردي قرب النافذة، بينما نسمات الصباح تعبأ قناني العطر البلورية الفارغة، ويغرق هو في نشوة الفرح عن طريق الخيال فقط. وحين سُئل ديل كارنيجي مُؤلِّف كتاب "دع القلق وابدأ الحياة" عن سر نجاحه، عبّر عن دهشته لهذا النجاح الذي حقّقه، رغم أنه كان خجولًا عندما كان طالبًا في الثانوية، وأنه أكثر اندهاشًا منهم، ولم يفعل أكثر من تذكير الناس بالمبادئ التي جاء بها الأنبياء؛ وأقوال الحكماء التي تساعد الناس على العيش بسلام، وقبل أن يُؤلِّف كتابه ظل 7 سنوات يقرأ ويجمع الحِكم والأمثال والمبادئ التي تصلح علاجًا للقلق، وقرأ قصص العظماء، ثم صاغ من كل ذلك الكتاب الذي ترجم إلى أكثر من 60 لغة، ومن أكثر الكتب مبيعًا، يقول عبدالوهاب مطاوع في كتابه "أرجوك افهمني": (إن كارنيجي اكتشف بذكائه أن عدو الإنسان الأول الذي يحرمه السعادة في حياته هو القلق، فحاول أن يساعده على قهره بلغة بسيطة وبمنهج غير أكاديمي بعيدًا عن المصطلحات الجافة، ومن هنا كان نجاحه وانتشاره). ربما لنكون إيجابيين أو نمتلك النظرة الإيجابية للأمور، لا بد أن نتخلص من المشاعر السلبية، القلق، الخوف، الكراهية، العنصرية، ونفتح كل يوم صفحة بيضاء خالية من الشوائب!. [email protected]