سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
دراويش مرسي وحرافيش الجماعة لا يمكن لأي رئيس قادم أن يكون محظوظاً بحكم أم الدنيا، في حقبة تتعاظم فيها مشاكلها وتثقل وطأة همومها، لكن مصر ستكون محظوظة بالتأكيد بأي رئيس يأتي لتفعيل الدستور الجديد واحترامه نصا وروحا
هناك في مصر ثلاث قوى أساسية تدير الصراع السياسي أو تنخرط فيه -أحياناً- هذه القوى الثلاث هى الجيش، وقوى الاسلام السياسي تتصدرها جماعة الإخوان، ثم القوى والأحزاب اليسارية والليبرالية والناصرية والقومية، وهذه الأخيرة هى قوى لا تملك بذاتها حتى الآن إمكانية تغيير المشهد تبعاً لرؤيتها وإن كانت بالطبع تستطيع التأثير فيه. هذا ما انتهت إليه دراسة أجراها باحثان إسرائيليان لحساب مركز أبحاث السادات- بيجين التابع لجامعة بار إيلان الإسرائيلية، وربما لخصت تلك الدراسة مكونات المشهد السياسي المصري، قبل استحقاقات الانتخابات الرئاسية ثم البرلمانية في مصر، بما قد يطرح سؤالاً حول طبيعة القوى التي تقرر مستقبل مصر في اللحظة الراهنة؟.. وفي أي اتجاه يمكن لتلك القوى أن تقود الأحداث أو حتى أن تؤثر فيها أو تتأثر بها؟ الأكيد الآن هو أن الإخوان باتوا خارج مواقع السلطة، والأكيد أيضا أن قيادات الجماعة وهيكلها التنظيمي الرئيسي أصبحا الآن خلف القضبان بانتظار ما قد تسفر عنه محاكماتهم في جرائم عدة، أقصاها الخيانة والتخابر مع قوة أجنبية، وأدناها الانتماء لجماعة محظورة على خلاف القانون، لكن الأكيد كذلك هو أن سلوك الجماعة وقياداتها منذ الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي في الثالث من يوليو الماضي، يؤثر في المشهد المصري حاضراً ومستقبلاً. فخيارات المصريين بعد تجربة عام من حكم الإخوان، باتت تنحصر في طلب الأمن بصورة أساسية، وهو مطلب بات يتعزز كل يوم مع كل اعتداء ارهابي بسيارة مفخخة أو بهجوم انتحاري أو بعبوة ناسفة أو حتى بطلقات رصاص أو خرطوش من قلب تظاهرة إخوانية، ينظمها "دراويش مرسي" و "حرافيش الجماعة". الجماعة "التي جرى تصنيفها لاحقاً في مصر وبعض دول المنطقة باعتبارها "إرهابية" ، تلعب دوراً رئيسياً في توجيه خيارات المصريين قبل الانتخابات الرئاسية، باتجاه تفضيل مرشح ذي خلفية عسكرية، فكلما تصاعد إرهاب الجماعة ، كلما تزايد الطلب الشعبي على الأمن، الذي يستدعي بدوره من يمتلكون خبرة صيانته وصناعته إن لزم الأمر. يثير اسم المشير عبد الفتاح السيسي مشاعر حنق وكراهية لافتة لدى أنصار جماعة الإخوان والمتعاطفين معها، ولا يكاد يخلو شارع أو جدار في مصر من عبارات مسيئة للرجل، كتبها من ينتمون للجماعة أو يأتمرون بأمرها، أو يتحصلون على أموال منها جراء العمل لحسابها، ومع ذلك يتعاظم الشعور الشعبي خاصة في أوساط البسطاء والنساء و "حزب الكنبة" بالحاجة الى "السيسي رئيساً" وهم يفسرون احتياجهم للسيسي باحتياجهم للأمن الذي تسعى الجماعة وأنصارها لتقويضه كل يوم. ويبلغ الخوف مبلغه لدى بسطاء المصريين من احتمال عدم ترشح السيسي للرئاسة، بل إن بعضهم يميل الى "تنصيب" المشير لا انتخابه، أي مبايعته رئيساً دون انتخابات رئاسية، وهذا الفريق الأخير ومعه قلة من نخبة استفادت بشكل أو بآخر، من أجواء ثورة 30 يونيو وما بعدها ، هو من يهاجم بالنقد - الجارح أحيانا- كل من ساورته فكرة الترشح للرئاسة منافساً للمشير السيسي الذي تعشقه جماهيره ولا ترى بديلاً عنه، أو منافساً له. امتلك حمدين صباحي المرشح الرئاسي في الانتخابات التي حملت الإخواني محمد مرسي الى مقعد الرئاسة بقصر الاتحادية، شجاعة الترشح في الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة، منافساً للمرشح "المحتمل" عبد الفتاح السيسي، وهذا حقه، ومطلب جماهيره، لكن ثمة بين مؤيدي السيسي من لا يريد أن يرى مرشحاً ينافس المشير في الانتخابات الرئاسية المقبلة..! كيف ستكون انتخابات اذن دون منافسين؟!.. وهل يرغب هؤلاء في العودة الى نظام اختيار الرئيس بالاستفتاء الشعبي لا بالانتخاب على غرار ما عرفته مصر طوال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات؟! هل المطلوب الآن أن يضحي المصريون بأعز ثمار ثورتهم الممتدة والتي جرت صياغتها ضمن تعديل دستوري أواخر عهد مبارك، جعلت اختيار الرئيس بالانتخاب لا بالاستفتاء؟!.. هل المطلوب إخلاء الساحة من المنافسين ليفوز مرشحنا المفضل؟ هل نضحي بالدستور والقانون من أجل الانتصار لعاطفة جياشة مالت مع الهوى لحساب زعيم وهبه الله محبة قطاع كبير من شعبه؟! لا أظن أن الزعيم المرتقب يريد هذا ولا يقبله، بل ولا يسمح به، فالتفويض الشعبي الحر هو الأصل في شرعيته، واتساع حجم التفويض قد يعزز تلك الشرعية، لكن نفي خيارات الآخرين أو إقصاءهم، يضع الشرعية برمتها موضع الظنون. إعلان حمدين صباحي اعتزامه الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية المصرية، ومن بعده اعلان الفريق سامي عنان رئيس الأركان المصري السابق، نيته كذلك خوض الانتخابات الرئاسية، يعزز مصداقية العملية الانتخابية برمتها ويضفي شرعية لا تشوبها شائبة حال فوز المشير عبد الفتاح السيسي بالرئاسة. دعونا نؤسس لدولة مؤسسات حقيقية، ولا تدعوا مشاعر البسطاء، وهى موضع التقدير والاعتزاز، تقود المشهد إلى غير وجهته الصحيحة.. مصر بإزاء مشهد رئاسي جديد يكتسب مشروعيته من عملية اختيار حر حقيقي، ومن حملات انتخابية تحترم الدستور والقانون، ولا تسمح لكائن من كان بهدم قاعدة المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المرشحين للمنصب الرئاسي. لا يمكن لأي رئيس قادم أن يكون محظوظاً بحكم أم الدنيا، في حقبة تتعاظم فيها مشاكلها وتثقل وطأة همومها، لكن مصر ستكون محظوظة بالتأكيد بأي رئيس يأتي لتفعيل الدستور الجديد واحترامه نصاً وروحاً، وبتأسيس حياة سياسية حقيقية تختفي منها مرة واحدة والى الأبد تلك الثنائية المزمنة منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي بين الجيش والإخوان، فيما تكتفي سائر القوى المدنية الأخرى بدور "الطرف الثالث". [email protected]