كان من المفترض أن يكون الحديث اليوم عن معرض الكتاب الحالي الذي تنظمه وزارة الثقافة والإعلام في رحاب المدينةالمنورة بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية. لكن الأمطار التي شهدتها طيبة الطيبة ومحافظاتها هذا الأسبوع، وما نتج عنها من مناظر مؤسفة وأضرار مؤلمة جعلتني أقدم هذا المقال وتأجيل الحديث عن المعرض. فبداية لا أشك مطلقًا في أن الأمطار نعمة عظيمة، يستبشر بها الخلق جميعًا؛ فيتيهون فرحًا ويغتبطون سرورًا بها. لكن المؤسف أن تنتشر معها مناظر يندى لها الجبين، إذ ترى الجميع «أناسا ومركبات» يسبحون في برك مائية في منظر أليم يؤثر في النفوس وتتقطع له الأفئدة. والمشاهد لتلك المستنقعات المائية يجد أنها متكررة؛ فما أن تهطل أمطار -مهما كانت درجتها أو كميتها- حتى تظهر برك تمتلئ بالمياه فيضطر الناس والمركبات للسباحة فيها، مما يبعث على التساؤل: لماذا لا تدوّن تلك المواقع ويتم استصلاحها بدلاً من أن تترك لتُسحب في كل مرة، الأمر الذي يشكل عبئًا على العاملين في الجهات المختصة، ويتسبب في الإضرار بالمكان والسكان! ومن العجيب أن تكون بعض تلك المواقع في طرق حديثة لم يمضِ على إنشائها وقت طويل، والسؤال المحيّر: ترى أين دور المهندس الاستشاري الذي استلم ذلك الطريق؟ ولماذا أصبح الطريق يسبح في المياه؟ وأين دور الحسيب الذي يفترض فيه الإبلاغ عن أي مأخذ في ذلك الطريق، ويحاسب مَن استلم؟ أمّا شبكة تصريف مياه السيول والأمطار فلا زالت مفقودة، والواقع المشاهد يقول إنها لازالت أُمنية يتمنى الجميع أن تكون واقعًا مشاهدًا لأنها تحقق أمرين، الأول: التخفيف من كمية الأمطار وهو ما يشكل عائقًا أمام عبور المشاة أو المركبات على حد سواء، والثاني: هو الاستفادة من هذه المياه والتي تشكل ثروة مهدرة، ففي الوقت الذي بات العالم يضع يده على قلبه خوفًا من شح المياه وندرتها، نأتي نحن لنهدرها وبلا مبالاة!. وممّا يلاحظ في الآونة الأخيرة تساهل الأمانات والبلديات في منح التراخيص لإقامة مخططات تقع في سيول وأودية معروفة، الأمر الذي يشكل خطورة كبيرة على ساكني تلك المخططات في حال سقوط الأمطار، وكأنهم يئسوا -ويرجى ألاّ يكونوا كذلك- من جريان تلك السيول مرة أخرى، والمؤمل هو إيقاف منح تلك التراخيص، والإمعان في موقع المخطط حفاظًا على الأرواح وحماية للممتلكات. كما شاع كثرة عملية الترصيف الكبيرة، وبألوان زاهية، وهذا لا اعتراض عليه ابتداءً، لكن الملاحظ هو التوسع فيه بحيث باتت تضايق الطريق وتقلّص من حجم الشوارع، وبلا فائدة مرجوّة، وكان الأولى صرف الاهتمام والأموال الطائلة إلى ما هو أهم، كالتصريف، وتعبيد الطرق، وتعديل الميول مثلاً، فلا تبقى المياه تطفو بهذا الشكل المشين. ونحن نشاهد بلدانًا عديدة تهطل الأمطار فيها بشكل متواصل، ومع ذلك فهي لا تشكل لهم أي درجة من درجات المعاناة، بل على العكس الناس تمارس أعمالها بشكل اعتيادي، ولا يتشكّل لديهم برك ومستنقعات!. وهنا مأخذ على ماوقع من أمطار هذا الأسبوع، فالدراسة يوم الثلاثاء الماضي لم تعلّق إلاّ في ثنايا اليوم، وبطبيعة الحال فالمسؤولية تتقاذفها الجهات، والنتيجة خوف وذعر لأبنائنا وبناتنا، وهلع للأهالي رهيب، فأين دور الحسيب؟ وهناك سؤال هام يدور في الأذهان: من المسؤول عن جميع تلك الأضرار والكوارث التي تتكرر؟ والأهم -بعد تحديد الجهة المسؤولة- هو من المخوّل بمحاسبتها ومعاقبتها؟ (صورة كنت أرجو أن تكون مع التحية لهيئة مكافحة الفساد). ومن ناحية أخرى كيف يمكن أن تتم عملية المطالبة بتعويض المتضررين (مواطنين ومقيمين) عمّا لحق بهم، وأين الدور المأمول لهيئة حقوق الإنسان، وكذلك الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان؟ إن المرجو أن ينعم الجميع بهذه الأمطار دون أن تتسبب في الإضرار بأي إنسان يعيش على تراب هذه البلاد الطاهر، وما تحقيق المطالب الآنفة الذكر بعسير، بل هي من السهولة بمكان، وحينها لا يحمل الناس هم الأمطار لا على أنفسهم، ولا على مركباتهم. فهل يتحقق الرجاء؟ [email protected]