في عصر وسائل التواصل الحديثة المتفشية في كل بيت، وفي أيدي الصغار قبل الكبار، تغيّرت كثير من المفاهيم والمصطلحات على أرض الواقع، رغم إصرار الأكثرية على عدم الاعتراف بها في الوقت الذي يمارسون هم أنفسهم عمليات التغيير بأيديهم وعقولهم، ولا أدري سببًا واحدًا لعدم الاعتراف بما حصل ويحصل كل يوم، ترى هل هو الإصرار على التمسك بالقديم رغم رفضه داخليًّا، أم هو مجرد عناد ولو بدون أي حجة عقلية أو منطقية، أم هو الجهل الأعمى بما يحدث كل لحظة في حياتنا من تغيير جذري للكثير من جوانب الحياة؟ ممّا أصابه التغيير المعاصر مصطلحات عديدة منها على سبيل المثال «القراءة والكتابة»، فلم يعد للمطبوعات الورقية بكافة أنواعها مجال رئيس في بيوتنا، وفي المكتبات التجارية وفي سوق النشر أصلاً، وعلى مستوى العالم فإن كثيرًا من الصحف والمجلات الورقية قد اختفى من السوق تمامًا، بسبب عدم الإقبال عليها، والاستغناء عنها بالنسخ الإلكترونية التي اضطرت مؤسساتها إليها لشدة الطلب عليها من قِبل الجمهور عالميًّا ومحليًّا، ومن المؤسف أنني دخلت قبل أشهر إحدى المكتبات التجارية الكبرى فوجدتُ نصف مساحتها قد أخلي تمامًا، ليحل مكانها فيما بعد محل ملبوسات وخردوات، ولما سألت أحد العاملين في المكتبة عمّا حدث لم تفاجئني إجابته؛ لأن حركة الشراء خفتت كثيرًا، بعد أن كانت ملء السمع والبصر، ولعل يومًا سيأتي لتختفي كل المكتبات التجارية، والعامة، والعلمية من الوجود تمامًا، فقد أصبحت المكتبات الإلكترونية أيسر وأكثر انتشارًا، وأرخص كلفة، كما أن انتشار الأجهزة اللوحية بين أفراد المجتمع -صغارًا وكبارًا- يسّر عليهم القراءة منها، سواء للكتب العلمية الإلكترونية، أو كتابة الرسائل النصية وملحقاتها الصورية صوتًا وصورة! لم يعد لنا وقت لنتباكى على هذا التغيير، فالعصر غير العصر، والعقول كذلك، ورغم كل الأسى الذي تغلغل إلى أعماق عشاق الكتب الورقية إلاَّ أنه لابد من الاعتراف بأن مفاهيم القراءة والكتاب تغيّرت جذريًّا، بل إن مصطلح «القلم» أصبح اليوم غير ما نعرف، فكم هم الذين يستخدمون القلم التقليدي اليوم في الكتابة، وخاصة الأدباء والصحافيين، بل حتى الإداريون -مهما كانت مناصبهم- أصبحوا يمارسون أعمالهم الدقيقة والجليلة على الحاسوب، وهذه المهارة أصبحت ميزة تؤهل صاحبها للحصول على العمل غالبًا! ولعل من إحدى نتائج هذه التغييرات ما حصل في عقول الطلاب والطالبات في كافة المراحل التعليمية، فلم يعد للكتاب الدراسي التقليدي أي جاذبية لدى أغلبهم، بل حتى طرائق التدريس التقليدية فقدت بريقها أمام التطبيقات الإلكترونية المتوفرة بين أيدي الأطفال، ناهيك عن الشباب والكبار، ولا تزال عيون وقلوب الطلاب والطالبات متلهفة لرؤية الأجهزة الحديثة بين أيديهم في مدارسهم بدلاً عن الكتب الورقية، لكن يبدو أنهم متعلقون بالكثير من الوهم، فلا يزال كثير من مسؤولي التعليم لا قناعة لديهم بطموحات وآمال الطلاب والطالبات، وكأتهم يعيشون في كوكب آخر لا علاقة لهم بمنجزات العصر التقنية، ويتعللون بحجج واهية، وهذا ما يجعل الفجوة تتسع يومًا بعد يوم بين الجيل المعاصر، وبين مَن يمسكون بزمام أمور التعليم، والأدهى من ذلك أن يكون بعض القائمين بمهمة التدريس يفتقدون الكثير من مهارات التعامل مع التقنيات التعليمية المعاصرة، بل ويرفضون اكتساب هذه المهارات رغم توفر الدورات المتخصصة لها، وكأنهم يرفضون الانتقال من هوة اللامبالاة والتخلّف التقني إلى المعاصرة العلمية، وأخشى أن يكون لهذا الانفصام آثار خطيرة على عقول ونفسيات الأجيال المعاصرة والقادمة.. ربما! [email protected]