لا يكاد يختلف أحد على أهمية البحوث العلمية وأهمية دعمها للنهوض التنموي في أي بلد، ولعل هذا ما يعكس تخلف الدول العربية عن نظيراتها الغربية. والناظر إلى واقع التمويل العربي للبحث العلمي يجد أنه يختلف كثيرًا عن المعدل العالمي للإنفاق على البحث العلمي، حيث تشير نهال قاسم في تقريرها أن القطاع الحكومي يعد الممول الرئيس لنظم البحث العلمي في الدول العربية، حيث يبلغ حوالي 80٪ من مجموع التمويل المخصص للبحوث والتطوير مقارنة ب3٪ للقطاع الخاص، و7٪ من مصادر مختلفة. وذلك على عكس الدول المتقدمة وإسرائيل حيث تتراوح حصة القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي في اليابان ما بين 70٪، و52٪ في إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية . وتشير إحصائيات سنة 2004م، لمنظمة اليونسكو إلى أن الدول العربية مجتمعة قد خصصت للبحث العلمي ما يعادل 1.7 مليار دولارفقط ، أي ما نسبته 0.3٪ من الناتج القومي الإجمالي. كما أن معدل إنفاق الدولة العبرية على البحث العلمي غير العسكري ضعف ما ينفق في العالم العربي، ففي عام 1999م بلغ حوالي 9.8 مليارات ، أي ما يوازي 2.6٪ من حجم إجمالي الناتج الوطني، وفي عام 2004م ، وصلت نسبة الإنفاق على البحث العلمي في إسرائيل إلى 4.7٪ من ناتجها القومي الإجمالي، وفي عام 2008 بلغ حوالي 9 مليارات دولار. وتشير دراسات أن معدل ما تصرفه حكومة إسرائيل على البحث والتطوير المدني في مؤسسات التعليم العالي يوازي 30.6٪ من الموازنة الحكومية المخصصة للتعليم العالي بكامله، بينما يصرف الباقي على التمويل الخاص بالرواتب، والمنشآت والصيانة والتجهيزات، بينما يصرف القطاع الخاص ما نسبته 52٪ من الإنفاق العام على الأبحاث والتطوير، وإذا ما قورن وضع إسرائيل بالدول المتقدمة الأخرى، نجد أنها تنافس وتسبق كثيرًا من الدول الغنية والبلدان المتقدمة في هذا الميدان، حيث تحتل إسرائيل المركز الثالث في العالم في صناعة التكنولوجيا المتقدمة بعد «وادي السيليكون» في كاليفورنيا وبوسطن، والمركز الخامس عشر بين الدول الأولى في العالم المنتجة للأبحاث والاختراعات. أما بالنسبة إلى عدد سكانها قياسًا إلى مساحتها فهي الأولى في العالم على صعيد إنتاج البحوث العلمية. ويشير تقرير اليونسكو لعام 2010 أن إجمالي المنشورات العلمية للدول العربية في آسيا بلغ (13973)، بينما بلغ في أمريكا الشمالية (306676)، وفي دول الاتحاد الأوروبي (359991). وفي ناحية براءة الاختراع فقد حصلت المملكة العربية السعودية على المركز الأول عربياً برصيد 78 براءة اختراع، فيما حصدت مصر المرتبة الثانية برصيد 46 براءة اختراع ثم دولة الإمارات برصيد 29 براءة اختراع في عام 2010 حسب المنظمة العالمية للحقوق الفكرية (ويبو). بينما تَبوأت الصين المركز الأول عالمياً بعدد (12337) براءة اختراع ثم كوريا الجنوبية ثم اليابان. وحسب ذات المنظمة فإن طلبات براءات الاختراع على الصعيد الدولي وصلت (194400) طلب في عام 2012. كان نصيب المملكة العربية السعودية منها بلغ 294 طلباً، لتتجاوز بذلك مجموع طلبات كل الدول العربية (197) طلباً. بينما عدد الطلبات التي قدمتها إسرائيل تجاوزت مجموع طلبات كافة الدول العربية بمقدار ثلاث مرات تقريباً في نفس العام والتي وصلت إلى (1377) طلبا. وقد جاءت في المرتبة الثانية عربياً دولة قطر ب (53) طلب براءة اختراع، ثم الإمارات (52) طلب، ثم مصر (41) طلبا من العام ذاته 2012. وبمقارنة مع الدول المتقدمة فإن عدد طلبات الولاياتالمتحدة بلغ (51207) طلبات، أي ما نسبته (26%) من مجموع براءات الاختراع، ثم اليابان بعدد (43660) طلبا، ثم ألمانيا (18855) طلبا، ثم الصين (18627)، ثم كوريا الجنوبية (11848) طلبا. ليصل بذلك نسبة ما قدمته الخمس دول السابقة (78%) من إجمالي طلبات براءات الاختراع العالمية. بينما نسبة طلبات براءات الاختراع المقدمة من الدول العربية (0.003%) ثلاثة من ألف في المائة. في ظل ذلك يؤكد الباحثون أن تنمية البحث العلمي لا يمكن أن يتم في فراغ، بل ينبغي توفير الحرية والدعم والأموال وبناء المنشآت والمعامل والأدوات، وتأهيل الكوادر البشرية، وتوفير الحوافز المادية والمعنوية التي تجعل من الإنتاج الفكري عملاً يستحق المعاناة والجهد المتواصل، إذ بالإنتاج الفكري تكون الأمم أو لا تكون.