في زاوية مظلمة بعيدة عن عالمنا المرفه وجدت دفتراً أكل عليه الزمان وشرب، دفتر مهترئ مبعثر الأوراق دفتر يملك في داخله كثيرًا من صيحات الألم، وسُكبت عليه دمعات قهر.. دفتر بحثت في داخله عن هوية صاحبه، ولكني لم أجد سوى طفلة مقهورة مغلوبة على أمرها جار عليها زمانها ومن حولها، ولم تجد من ينصفها ووقفت إلى جانبها تأملت في الدفتر قليلاً.. وبدأت أقلب صفحاته بصعوبة لم أستطع فهم جميع ما كُتب ,كلمات مكتوبة بخط متعرج خائف مستغيث يبحث عن مُنصف.. قرأت أولى صفحاته وكان عنوانها: «مسيرتي المقهورة «.. اسمي: لم أختره لنفسي، ولم يخيروني فيه وسيلازمني حتى تُرفع روحي إلى خالقها.. عمري: سنوات قهر من أول صرخة أطلقتها لخروجي لهذه الدنيا إلى خروج آخر نفس من روحي وعودتها لبارئها ولا أعلم كم عددها.. أحلامي : أحلم بقليل من الأمان والاستقرار أحلم بحضن دافئ يحميني من ظلم الزمان وعيون البشر المفترسة التي تنهش في لحمي بنظراتها.. ومع كل صفحة من هذا الدفتر تتساقط دمعاتي قهرًا وحزنًا على طفلة يتيمة تصرخ مستغيثة: (يكفيني يتمًا يا بشر).. هذا ما قدره الله لي ولدت يتيمة الأم وقبل أن أنطق بكلمة أبي حُرمت منه وأصبحت وحيدة تائهة أتخبط في هذه الأرض الموحشة التي لم يُعد في قلوب سكانها أي رحمة.. استغلوا ضعفي ويتمي وسلبوا حقي والكل ينظر إليّ بعيون مفترسة تنتظر الفرصة لتنقض على فريستها ونسوا قول أرحم الراحمين؛ «فأما اليتيم فلا تقهر « يكفيني قهرًا يا بشر .. استمررت في تقليب صفحات ذلك الدفتر المهترئ واستوقفتني صفحة تعجبت من المكتوب فيها !! « لم تخلُ الدنيا من الخير وكلي أمل بأن شروق الشمس قريب وسيفج ظلامَ ليلٍ دامس، وأن طير الشر سيرحل يومًا مع حلول الشتاء، فليس بالدنيا خلود للأشياء وسينتهي يومًا حزني وقهري وسيجد أحد ما دفتري ولكن لحظتها لن يجدني لأن قهر الزمان غلبني وقضى على روحي و ذهبت للعادل المنصف الرحيم ربي جل جلاله.. ولم يبقَ من ذكر الطفلة اليتيمة المقهورة إلا ذكرياتها التي خُطت على دفتر قهرها واكتشفت بأن هذه الصفحة آخر صفحات ذكريات طفلة لم يعد لها أثر في هذا الوجود.. خط قلمي ذكريات هذه الطفلة ولكن يوجد الكثير غيرها في حياتنا علينا اللحاق بهن قبل فوات الآوان.. ود علي عياش - مكة المكرمة