سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ما الذي تصححه الإعانات ؟! من مصلحة محدود الدخل تعليمه كيف ينمي دخله، بدلا عن أن تدفع عنه الفواتير، فيفقد حافز تطوير نفسه ويتأذى المجتمع ككل على المدى بعد القصير
في حال ما سأل قارئ عن سر غياب صديقي رفيق عما أكتب، أطمئنه أن رفيق بخير، ولا سبب لغيابه إلا تنقلات الفصول!، فأنا لا أرتاد المقهى مكان لقائنا المعتاد صباحًا إلا في الشتاء، في الصيف تصبح زياراتي للمقهى مسائية وأقل انتظامًا، مما لا يتلائم مع برنامج رفيق اليومي، وقد اتصل بي قبل يومين هاتفيًا كرد فعل على مقالي عن إعانات الوقود والطعام، مهددًا بأنه سيعتبرني من أعداء البسطاء والكادحين المستفيدين من الإعانات، قال: "إنه من حسن حظي أن المقال لم يُنشر في مصر، وإلا لحاصرت مظاهرات الكادحين بيتي وقذفته بالحجارة.. مع يقيني بأني لا أستحق هذا منهم، لأني في النهاية واحد من البسطاء، وإن لم أكن من الكادحين، لم تعد صحتي تساعد على الكدح"، أعرف أن من المستحيل تقريبًا إقناع صاحب مصلحة بأن الحق ضد مصلحته، فإن قرأت مقالًا سابقًا لي عن الحق والمصلحة ستعرف أن الحق أيضًا مرتبط بمصلحة، فإذا بدا وكأن الحق يناقض مصلحة فإن المصلحة التي يعبر الحق عنها هي المصلحة الحقيقية أما الأخرى فمصلحة متوهمة، المشكلة أن الثانية قريبة جدًا وظاهرة، بينما الأولى بعيدة وخفية. حتى لا أبدو كأني أكيل بمكيالين أقرر بأننا في المملكة أيضًا ندفع إعانات وقود للسوق المحلي، وكنا ندفع بسخاء إعانات طعام، لا أدري إن كانت مستمرة إلى الآن أم لا، بالتالي أؤكد للقارئ أن رأيي في الإعانات هناك هو ذاته رأيي فيها هنا، ولا شك عند القارئ وعندي في نبل دوافعها، وأثرها المحمود المباشر على المستهلك، إلا أنها تتسبب في عدم الإعلان عن القيمة الحقيقية للسلعة، وبالتالي أضرارها مؤكدة على المدى المتوسط قبل الطويل، فلا يجوز اللجوء إليها إلا بصورة مؤقتة وللضرورة، أما إذا استمرّت وأدمنها المستهلك سيعتبرها حقًا من حقوقه، بحيثُ يبدو التراجع عنها افتئاتا على هذا الحق، بسبب إعانات الوقود التي ندفعها في المملكة لصالح مستهلك وسائل المواصلات والكهرباء أصبحنا بين دول العالم في المركز السادس استهلاكًا للوقود، متفوّقين في ذلك على ما تستهلكه دولاً صناعية مثل ألمانيا أو كندا أو كوريا الجنوبية، أكثر من ثلث إنتاجنا من النفط يذهب للسوق المحلي!، والمعدل في تزايد، الأسعار غير الحقيقية -نتيجة الدعم- نتيجتها الطبيعية التبديد غير الرشيد للموارد من قِبَل المستهلك، فإذا ازدحمت الطرق بالسيارات، وارتفعت نسب التلوث، وتكرر انقطاع الكهرباء فلا نلومن إلا أنفسنا، نفس الشيء يُقال عن المياه، لن يفهم المستهلك أبدًا (وهو معذور) لماذا يتوجب عليه تقنين استهلاكه من سلع رخيصة، بالطبع لا بأس أن يستهلك منها ما يشاء ما دامت رخيصة، الإشكال أنها ليست رخيصة، والأسعار التي يدفعها مقابلها لا تُعبِّر بصدق عن واقع. لنعود إلى أصل المشكلة التي استوجبت من الأساس إعانات الدعم، حماية الفقراء ومحدودي الدخل من ارتفاع الأسعار، قلت لك: إن الدافع نبيل، إلا أن التعامل الإيجابي معها يكون عن طريق التنمية الاقتصادية، لا عن طريق تشجيع ميول استهلاكية أثرها سلبي على النمو والتنمية. بالبلدي البسيط من مصلحة محدود الدخل تعليمه كيف يكسب قوته وينمي دخله، بدلاً عن أن تدفع عنه الفواتير، فيفقد حافز تطوير نفسه ويتأذى المجتمع ككل على المدى بعد القصير.