تعد النصب التذكارية والمجسمات الجمالية ذاكرة الشعوب؛ فهي توثّق أحداثها وتسجل تطوراتها، فمنذ أكثر من عقدين اشترك مجموعة كبيرة من الفنانين العالميين أمثال: هنري مور، سيزان، هارب، فازاريللي ولافونتي، ومن الفنانين العرب صلاح عبدالكريم، مصطفى سنبل وربيع الأخرس، ومن الفنانين الوطنيين شفيق مظلوم، عبدالحليم رضوي وضياء عزيز وغيرهم مما لا يسمح المجال لذكرهم، اشترك جهابذة الفن مع أبرز الشخصيات العامة بجدة وأكثر الجهات فاعلية في صناعة مدينة فتية لها ملامح سعودية ذات مواصفات عالمية فجسّدوا إبداعاتهم على طرقات جدة وميادينها وكورنيشها وأصبحت من معالم المدينة وجعلتها عروس البحر الأحمر وأهم المكتسبات والمنجزات الوطنية التي لا تقدر بثمن. وتندرج مجسمات جدة الجمالية ضمن الغرائب العالمية ومنها ما هو موجود ضمن كتاب جينيس للأرقام القياسية مثل دوّار الملك عبدالعزيز الذي يعد أكبر ميدان في العالم ويوثّق أهم حقب تاريخ المملكة الحديث، ميدان الهندسة وهو أكبر مجسم لأدوات هندسية، أكبر مجسم لقلم، أكبر مجسم لدراجة، أكبر قطعة رخام حديثة منحوتة، أكبر مجسم لكرة أرضية، أكبر مشكاة، أعلى نافورة في العالم، أكبر بوابة بطريق مكة، أقدم مجسم لكنداسة وهو بقايا التحلية القديمة وأنابيب المياه والأهلة بطريق الحرمين. ونلحظ منذ مدة مشروعات إزالة هذه المجسمات ونقلها إلى أماكن مجهولة وطمس هوية جدة وشطب ذاكرة سكانها وزائريها الذين ما زالوا يطلقون على الشوارع أسماء مجسماتها المزالة مثل "الجواد الأبيض، الشاكرين، التحلية، الطيارة، السُفن والآية" ونشرت الصحف في السابق سوء نقل وحفظ وضياع بعض مكتسباتنا الوطنية وعدم وجود خطة لوضعها في مواقع أخرى داخل جدة أو محافظات أخرى أو حتى بيعها في مزاد علني أو إهدائها لدول صديقة تقدر الجمال وتعي أهمية الفن. والأشد غربة هو منظر الجماهير المصرية التي اشتركت مع الجيش لنقل تمثال رمسيس قبل أعوام قليلة، في حين لم تهتز أحاسيس أغلب مثقفينا لإزالة مجسمات جدة. من ناحية أخرى أسندت مهمة صيانة وترميم المجسمات الحالية إلى مؤسسات غير مؤهلة لهذه المهمة، فقاموا بأعمال تشويه وتخريب للأعمال الفنية بنية ترميمها وهي تقوم بذلك دون وجود مستشارين من ذوي الخبرة في المجال الفني مثل فناني جدة وبيوت الخبرة. وما يدعوني وغيري للامتعاض من هذه الإزالة دعوى أنها تعيق حركة المرور، وهذا برغم صحته إلا أنه توجد حلول فنية وهندسية معقولة وذات جدوى وفاعلية لحل هذه المشكلة وهي تضييق مساحة قاعدة المجسمات بحيث لا تزيد على ثلث ارتفاع كل مجسم، فجميعنا يذكر ميدان الطيارة المزال الذي يمكن أن تقف عشر طائرات على قاعدته ومثله ميدان الزهرة في شارع الأمير متعب ففيه زهرة واحدة وهو يحتمل عشرات الزهور بداخله، وكثير من ميادين جدة تعاني مشكلة تضخم قاعدة المجسم وهناك نية لإزالتها دون العلم بمصيرها. [email protected]