قداسة الإنسان ماثلة في الرسول العظيم والنبي الكريم، وقداسة البيان قائمة في القرآن، الذي أذهل الإنس والجان، وقداسة الزمان، كامنة في عشر ذي الحجة ورمضان، وقداسة المكان في الحرم الطاهر، والمشعر الزاهر. ليس للدنيا بدوننا طعم، وليس للتأريخ سوانا رسم، وليس للناس إذا أُغفلنا اسم، نحن شهداء على الناس، ونحن مضرب المثل في الجود والبأس. كأن النور ولد معنا، وكأنّ البشر لفظ ونحن معنى، جماجمنا بالعزة مدججة، وخيولنا بالعزائم مسرجة، نحن الأمة الوسط، لا غلط في منهجنا ولا شطط، وسط في المكان فنحن قلب الكرة الأرضية، وزعماء الأخلاق المرضيّة، ووسط في الزمان فلم نأت في طفولة الإنسانية ولم نتأخر إلى شيخوخة البشريّة، ووسط في العقيدة فنحن أهل التوحيد والمذهب السديد، فلم نعتنق رهبانية النصارى، ولم ننهج نهج اليهود الحيارى، بل أمتنا بعيدة من الضلالة، مصونة من الجهالة. أليس في بلدنا الركن والمقام، والبلد الحرام، وعندنا عرفات، ومنى حيث الجمرات وزمزم والحطيم، والمشعر العظيم، وفي أرضنا غار حراء، مشرق الشريعة الغراء، ونزل في أرضنا جبريل، على المعلم الجليل، وحمى بيتنا من الفيل، بطير أبابيل. ومنَّا خالد بن الوليد، وأسامة بن زيد، وطلحة بن عبيد. وفي دارنا عائشة أم المكرُمات، المبرَّأة من فوق سبع سموات، وفاطمة البتول، بنت الرسول، طيبة الأصول. وفي أرضنا الحرَمان، والبيتان، والعُمَران، والهجرتان، والبيعتان، والسبطان، والقرآن، والإيمان، والبيان. نحن أهل عذوبة الألفاظ، والجهابذة الحفَّاظ، وفي بلادنا سوق عكاظ. في بلادنا البطحاء، حيث انطلقت الشريعة السمحاء. وعندنا نجد الأبيّة، مطلع شمس العربية، ومنبع المواهب الشاعرية، والخطابية. ولدينا عسير، حيث المسك والعبير، والجمال منقطع النظير، والذكاء الشهير. ولدينا حائل، أهل الفضائل، أحفاد حاتم الطائي شرف القبائل. ولدينا الحجاز، أهل الفضل والامتياز، والكرم والاعتزاز. ولدينا الإحساء، دار الشرفاء، وبيت الأوفياء. فغربنا أرض النبوة المحمديَّة، والسنة الأحمديّة، أرض قدمت للعالم أشرف هديّة. وشرقنا أرض الخيرات، وبلد المسرَّات، ودار الهبات، والأعطيات. ووسطنا دار الملك والإمارة، وبيت الجدارة، ومحل الوزارة، والسفارة. وشمالنا أرض الجود، والند والعود، والأسود، وحفظ العهود، وإكرام الوفود. وجنوبنا أرض الهمم الوثابة، والطبيعة الخلابة، والأخلاق الجذَّابة، والفهم والنجابة، والشعر والخطابة. نحن كتبنا التأريخ بالدماء، ووصلنا الأرض بالسماء، أنجبنا العلماء، وأنتجنا الحكماء، وأرسلنا للعالم الزعماء، وأهدينا الدنيا الحلماء. إذا لم يبدأ التأريخ بنا فاعلم أنه منكوس، وإذا لم يثُنِ علينا سِفر المكارم فاعلم أنه منحوس. كسرنا سيوفنا في بدر، على رؤوس أهل الكفر، ثم أرسلنا شظاياه لصلاح الدين، في حطين، فقهر بها الملحدين. رددنا في أحد " قل هو الله أحد " فسحقنا من جحد وقطعنا دابر من فسد. منا قائد القادسية، الذي أسقط العجم في الخانة المنسية. ومنا قائد اليرموك، الذي أذهب من رؤوس الروم الشكوك، وصبغ وجوههم بالدم المسفوك. نحن أرسلنا بني أمية، ملوكاً للديار الشامية. وبعثنا لبغداد بني العباس، أهل الجود والبأس. وجيش العجم ما أسلم، حتى بعثنا له قتيبة بن مسلم. ومددنا للهند السيف الحاسم، محمد بن القاسم. من كتب التأريخ وأهمل الجزيرة، فقد ارتكب كبيرة، وأتى بجريرة، كيف يهمل الرسول والأصول، وأهل المنقول والمعقول. كيف يأخذ البدن بلا روح، ويجرد البستان من الدوح. كيف يبني القصر على غير أساس؟ ويقيم الجسم بلا رأس. تريد المسجد بلا محراب، والمدرسة بلا كتاب، نحن الفصول والأبواب، ونحن السيف والنصاب، لسجل المكرمات كُتّاب، ولأرقام المجد حساب، وعلى قصر الرسالة حجاب. نحن قلب المعمورة، وأصحاب المناقب المأثورة، العالم يتجه إلى قبلتنا كل يوم خمس مرات، والدنيا تنصت لندائنا بالصلوات، والكون يستمع لتلاوتنا بالآيات، زارنا بلال بن رباح، فصار مؤذن دولة الفلاح، وجاءنا سلمان من أرض فارس، فلما أسلم صار كأنه على قرن الشمس جالس، ووفد إلينا صهيب من أرض الروم، فأصبح من سادات القوم، من بلادنا تشرق شمس المعارف، ويقام للعلم متاحف، وتنشر للهدى مصاحف، حتى ماؤنا يفوق كل ماء، فماء زمزم شفاء، ومن كل داء دواء، ونحن بيت العرب العرباء، وعندنا سادات الكرماء، ولدينا أساطين النجباء، وأساتذة الحكماء، إن ذكرت الحرب فنحن وقودها، وإن ذكرت الملة فنحن أسودها، وإذا سمعت بالرسالة فنحن جنودها.