كشف صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز نائب وزير الدفاع عن بعض وصايا والده الراحل الأمير سلطان بن عبدالعزيز والذى كان يلقب ب « سلطان الخير « وقال انه أوصى أبناءه قبل رحيله بعدة وصايا منها اعتماد سياسة الأبواب المفتوحة وعدم ردّ أصحاب الحاجات، وكان يرى أن الله تعالى أكرمه بهؤلاء المحتاجين ليزيد في حسناته فكيف يردّهم؟، كما أوصاهم بالبشاشة عند استقبال الناس وعند قضاء حوائجهم وعند توديعهم، مؤكداً أن الأمير سلطان رحمه الله لم يكن يعمل من فراغ بل عن عقيدة وإيمان وفلسفة إستراتيجية لعمارة الأرض والفوز بالآخرة. و استهل سموه فى محاضرة أمس بالجامعة الإسلامية بعنوان «المواقف الإنسانية في حياة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله»، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينةالمنورة وعددٌ من أصحاب السمو الملكي الأمراء، وجمعٌ من المسؤولين والعلماء والأدباء والمثقفين محاضرته بالحديث النبوي: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أو من علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، قائلاً في إشارة إلى والده -رحمه الله-: أما الولد الصالح فأنتم أبناؤه الذين لن يبخلوا بالدعاء له والتضرع إلى الله طالبين له المغفرة والرحمة، وأما العلم النافع فمشاريعه العلمية والتعليمية والبحثية وإقامة المسابقات في مختلف المجالات التي كلها خير شاهد على ذلك العلم، وأما الصدقة الجارية فمشاريعه الإنسانية والخيرية والعلاجية، وما أوقفه من مال في سبيل استمرارها خير دليل على ديمومة الصدقة التي نرجو أن تشفع له يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. يسعدنى رغم صعوبته وأكدّ أن الحديث عن الجوانب الإنسانية في حياة والده موضوع يسعده بالرغم من صعوبته على نفسي، فسموُّه كان المثل الأعلى والقدوة الحسنة أباً وقائداً، وقلباً ممتلئاً رحمة، وروحاً تفيض حناناً، موضحاً أن الحديث سيتركز على فلسفته الخاصة في كل جانب من تلك الجوانب التي تشمل الحقول الإنسانية والتعليمية والبحثية والثقافية والخيرية والعلاجية والتنموية والعسكرية، لأنه لم يكن يعمل من فراغ بل عن عقيدة وإيمان وفلسفة إستراتيجية جامعاً بين الدين والدنيا بين عمارة الأرض وعمارة الآخرة. وقال سمّو الأمير خالد بن سلطان إن مواقف والده كافةً كانت محكومة بعدد من المبادئ التي التزمها في حياته وأوصى بها أبناءه قبل رحيله ومثّل لها بثمانية نماذج هي أن خدمة المجتمع وتيسير أمور المواطنين فرض واجب على كل مسؤول، وأنّ العمل في صمت والسعي إلى الخير بلا رياء كما أنه كان يرى ألا منَّة على أحد مهما امتدت المشاريع داخل المملكة أو خارجها مصداقاً لقوله تعالى : ( قول معروف خير من صدقة يتبعها أذى)، وكان يعتمد الرؤية الإنسانية الخالصة من دون تحيُّز لدين أو عرق أو جنس أو نوع، إضافةً إلى اعتماد سياسة الأبواب المفتوحة وعدم ردَّ أصحاب الحاجات. وتناول سموّ نائب وزير الدفاع أمثلةً موجزةً ألقى من خلالها الضوء على فلسفة سمو الأمير سلطان في الحياة، وفي مشاريعه الخيرية والإنسانية، مستهلاً الأمثلة بمسابقة حفظ القرآن قائلاً إنها أحبّها إلى الفقيد رحمه الله، حيث كان يرى أن الحفظ ليس غاية في نفسه بل هو إعداد الحافظ لحمل رسالة القرآن بوعي وتدبر. وأضاف أن من فلسفته في هذه المسابقة أيضاً أنّ تعهُّد اللهِ سبحانه وتعالى بحفظ كتابة الحكيم لا يُسقط مسؤوليتنا في المحافظة عليه والدفاع الموضوعي عنه، المعتمد على الأسانيد والحجج الشرعية، والخالي من السباب والشتم واتهامات الكفر والإلحاد والزندقة والارتداد، كما أنه -رحمه الله- كان مما يزيده إصراراً على الاهتمام بهذه المسابقة. الاستقرار الوظيفى والنفسى وحول فلسفة سموّ الأمير سلطان -رحمه الله- في مشاريع بناء القوات المسلحة السعودية وتطويرها والاهتمام بمنسوبيها، قال الأمير خالد بن سلطان: لقد وجَّه سموُّه عناية خاصة لإنشاء المناطق العسكرية ومشاريع الإسكان والمستشفيات والمدارس والمعاهد والمنشآت الرياضية وغيرها من مشروعات عملاقة لتحقق لمنسوبي القوات المسلحة كل أسباب الاستقرار الوظيفي والنفسي والاجتماعي والمادي حتى يؤدوا أعمالهم بكفاءة وفاعلية. وفي تحليله لفلسفة سمو الأمير سلطان في إقامة تلك المشروعات قال إنها تقوم على أن القوات المسلحة منوطة بها امتلاك القوة حيث إن امتلاكها ضروري وتوازنها مع القوى الخارجية حتميّ، فالقوة العسكرية هي التي تحمي قوى الدولة الأخرى فهي تحمي القوة الاقتصادية، فلا اقتصاد من دون قوى تحمي إنجازات الدولة الاقتصادية وموارده الطبيعية، والاقتصاد بلا قوة تعصمه يظل مهدداًيستجدي حماية الآخرين، والقوة العسكرية هي التي تحمي القوة السياسية فالسياسة تعتمد على ما تمتلكه من أدوات تتعامل بها داخلياًَ وخارجياًَ وأولها وأهمها القوة العسكرية. واشار الى ان الراحل الكبير كان يرى أن امتلاك قوة الردع، فالردع يحتاج إلى توافر مزيج من عوامل ثلاثة: القوة والإرادة والعزيمة على استخدامها، وتصديق العدوّ بوجود هذين العاملين، وإذا كانت القوة لازمة من قبل فقد باتت الآن ضرورة مصيرية لمن يريد أن يحيا في عزة وكرامة، ولكي تكون قواتنا المسلحة ذات كفاءة قتالية يجب على القادة في جميع المستويات الاهتمام الكامل بمرؤوسيهم، صحةً طبية ونفسية ولياقةً بدنية وتدريباً روحاً معنوية وانضباطاً، فضلاً عن الاهتمام بأُسَرهم وذويهم، إضافةً إلى أنه -رحمه الله- كان يرى حقوق الضباط والأفراد أمانة في أعناق قادتهم. أما فلسفة سموّ الأمير سلطان رحمه الله في إنشاء جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه، فقد جاءت نابعةً من رؤية سموّه لعدة أمور لخصها الأمير خالد بن سلطان في أن المياه عصب الحياة وسبب النمو والنماء وقاطرة التنمية الشاملة المستدامة، كما أن مشكلة المياه تعد مشكلة متعددة الأبعاد تؤثر في الحياة بكافة نواحيها، فنقطة الماء إن عذبت وصلحت سقت العباد وارتوت البلاد وازدهرت الثمار،. وأضاف أن من رؤيته -رحمه الله- أهمية محاربة أربعة عناصر تحكم حصارها على كل قطرة ماء: وهي النُّدرة والتلوث والتصحُّر والصراع، وخاصة إذا علمنا أن أقل من 1% من هذه المياه العذبة هو المتاح للاستخدام البشري. وكان يرى أن الاهتمام الزائد بالمياه أكثر من ضروري إذ إن الإنسان الذي يحارب التلوث بضراوة هو نفسه المتسبب فيه أحياناً بما يلقيه في الانهار والبحيرات والسدود من فضلات القطاع الصناعي ومخلفات القطاع المدني، وبما يدسّه من إفرازات الصناعة في التربة مباشرة فيلوث الآبار الجوفية ويفسد مصادره المائية، ثم يكدّ في البحث عن مصادر أخرى نظيفة شاكيًا نضوب مصادره القديمة. وبخصوص توجهات الأمير سلطان -يرحمه الله- في تبني المشاريع الخيرية والإنسانية وأهمها إنشاء مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية، قال سمو الأمير خالد بن سلطان إن تلك الفلسفة تتلخص في أهمية إنشاء مؤسسة تكون صرحاً رائداً للأعمال الإنسانية والخيرية والاجتماعية وأن تسهم بشكل فاعل ومؤثر في خدمة المجتمع بمنظور إنساني طبقاً لمفاهيم وأساليب العمل الخيري بالمملكة العربية السعودية، وقد وصلت تلك الآثار الخيريّة أقاصي العالم وهو ما دفع إلى اختيارها أفضل منظمة إنسانية عربياً وإسلامياً من قبل منظمة (المحسنين الدولية). وأضاف أن فكرة إنشاء المؤسسة انبثقت لتولي اهتمامها أولئك الذين لاتساعدهم ظروفهم المادية والاجتماعية من العلاج خارج المملكة وأولئك الذين يحتاجون إلى خدمات متميزة وأن لا تقتصر أعمال المؤسسة فقط على تقديم خدماتها الإنسانية التي تتمثل في التأهيل والرعاية الصحية للمرضى والمسنين والمعاقين بل تمتد إلى أبعد من ذلك حيث تسهم في كل ماهو مفيد ويخدم المجتمع في حدود أهدافها. وقال سموه عن والده -رحمه الله-: لقد أحبّ الخير فحبّبه الله إلى الخير، يسعى إلى قضاء حوائج الناس غير منتظر أن يسعى إليه، مشاريعه الخيرية التي قارنت اسمه الكريم تطاول المجالات كافة : إنسانية واجتماعية صحية وعلمية لا يبتغي بها إلاّ وجه الله – تبارك وتعالى. مذكرات التسبيح وعن جهود سمو الأمير سلطان -رحمه الله- في الاهتمام بالمجالات العلمية والبحثية، قال الأمير خالد بن سلطان إنها تأتي من عدة فلسفة لدى الفقيد، أهمها أن تعلم العلم لله خشية وطلبه عبادة ومذكراته تسبيح والبحث عنه جهاد، وأنّ طلب العلم فريضة على كل مسلم، وكان سموه يستشهد بمأثور القول : ماتصدق الناس بصدقة مثل علم ينشر ومداد العالم أفضل من دم شهيد، كما أن العلم والمعرفة –وسبيلهما البحث وتطوير أدواته– هما الطريق إلى القوة في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء. كما عرّج سمو الأمير خالد بن سلطان في محاضرته على الحديث عن الجامعة الإسلامية التي قال إنها «منارة علمية وعلمت ما يزيد عن نصف قرن من الزمان، جامعة حددت أهدافها بدقة ووضوح أولها تبليغ رسالة الإسلام الصحيحة الخالدة إلى العالم من طريق الدعوة والتعليم الجامعي والدراسات العليا فتحت أبوابها لطالبي العلم من المسلمين ، مبدياً إعجابه بسعي الجامعة منذ خمس سنوات بالاستجابة للتطور الواقعي للحياة. وشهدت المحاضرة قصيدة عن مشاعر طلاب الجامعة تجاه سلطان الخير ألقاها الطالب بكلية اللغة العربية أيمن منصور من جمهورية سوريا، كما ألقى الطالب محمد أبو بكر صو قصيدة. كما قدّم الطفل عبدالله الجريد من مدينة حائل الذي التقى الأمير سلطان رحمه الله حين كان عمره عاماً ونصف وتكفل سموّه حينها، بنفقة علاجه حيث أجريت له عملية صعبة في ألمانيا لمعالجة التواء في العمود الفقري على نفقة سموه، وقال الطفل: أترون تلك الابتسامة؟ هل رأيتموها تفارقه يوماً؟ جئت اليوم لأعبر عن شكري لله تعالى ثم للأمير سلطان الذي أحببته من قلبي. وفي ختام المحاضرة قدّم مدير الجامعة الأستاذ الدكتور محمد بن علي العقلا هديّة تذكارية لصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان. العقلا: ..وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ قال مدير الجامعة الاسلامية الدكتور محمد بن علي العقلا إن المحاضرة تقيمها الجامعة عرفانا منها بما قدّمه صاحب السمو الملكيّ الأمير سلطان بن عبد العزيز يرحمه الله للوطن والمواطن والعرب والمسلمين في أرجاء المعمورة من أيادٍ بيضاء، مضيفاً: «وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وهل يملك من ليس في أيديهم ما يكافئون به الفقيد الراحل إلا الكلمة الطيبة والدعاء الصالح بأن يتغمَّده الله بواسع رحمته جزاء ما قدمت يداه، نعم إنها الكلمة الطيبة نقولها لمن أحسن إلى الجميع وجمّل عمله الصالح بالإيمان بالله فكان إحساناً نابعاً من إيمان راسخ وعملٍ صالح، نعم إنها الكلمة الطيبة نقولها وضّاحة نفّاحة لمن أفنى حياته في خدمة دينه ووطنه رئيساً للحرس الملكي، ثم أميراً للرياض، ثم وزيراً للمواصلات، ثم وزيراً للزراعة، ثم وزيراً للدفاع والطيران مفتشاً عاماً ثم نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، ثم ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، إنها الكلمة الطيبة نقولها لمن حمل على عاتقه مسؤولية تطوير الخطوط الجوية السعودية، وتطوير شبكة السكك الحديدية والهيئة العليا للإصلاح الإداريّ والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية، ولا ننسى جهود الفقيد الراحل في تطوير جيش بلادنا الغالية، حتى وصل إلى ما وصل إليه وقال الدكتور العقلا: إنه سلطان الخير، الذي عرفه الجميع رجلاً شهماً نبيلاً كريماً رفيقاً لا ينام له جفن ولا تهدأ له عين حتى يقضي حاجة المحتاج، ويُفرّج كربة المكروب ويداوي الجريح ويعالج المريض، ويكفل اليتيم، ويقيم المساجد، في الداخل والخارج، بالإضافة إلى المراكز الصحية والاجتماعية، فلذلك أجمع الناس على حبّه، واتفقوا على الدعاء له في حياته وبعد مماته.