سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أولوية اللا أولي ! المظهر الأول للأزمة الاقتصادية نقص حصيلة النقد الأجنبي، ووراءه الأفدح من ذلك، شل الحيوية الاقتصادية وقدرات المجتمع الإنتاجية، والسبب الوحيد الاضطرابات السياسية
لازلتُ ممن يقولون: إن المتاعب الاقتصادية لم تكن في واجهة أسباب انتفاضة يناير المصرية، فالأداء الاقتصادي الرقمي قبلها كان جيدًا، والسياسات الاقتصادية بالإجمال كانت صحيحة، غير أن ليس بالأرقام وحدها يحيا الاقتصاد، ولا بالصحة النظرية لسياساته، السبب الرئيس -ولا بأس أن يكرر كاتب مقالات ما قال- هو فقدان الناس للأمل في تطبيق النخبة لإجراءات ضرورية على طريق إقامة الدولة الحديثة، كان يجب البدء في تطبيقها قبل عقود طويلة.. أما القمين باستثارة أقصى درجات انزعاج المراقب أن الصعوبات الاقتصادية التي لم تكن داعي الانتفاض الأول فرضت نفسها اليوم على رأس أولويات العناية، وتنذر بفاجعة، حتى إن لم يعترف لها الشغب السياسي بأولوية، مما يهدد بتراجع داعي الانتفاض الرئيس إلى خلفية الاهتمامات، ويفرغ الحدث من دوره التصحيحي. المظهر الأول للأزمة الاقتصادية اليوم نقص حصيلة النقد الأجنبي، ووراءه الأفدح من ذلك، شل الحيوية الاقتصادية وقدرات المجتمع الإنتاجية، والسبب الوحيد الاضطرابات السياسية، وما تلحقه من ضرر بقطاعي الصادرات والسياحة، أهم مصدرين للنقد الأجنبي، وما تسببه من إحجام قطاع الأعمال في الداخل ورؤوس الأموال الأجنبية في الخارج عن التوسع الاستثماري، يوضح لك القضية بجلاء أن قرض الخمسة بليون دولار الذي تسعى الحكومة إليه من صندوق النقد الدولي لغرض السد العاجل لنقص العملات الأجنبية، ويعتبر مقدمة لقرض أكبر بقيمة 14 بليون دولار لازمة لإعادة الاقتصاد إلى مسار تصاعدي، كلاهما مشروط دوليًا ببرنامج إصلاح اقتصادي محدود لكنه مؤلم، لا ترغب الحكومة في تبنّيه خاصة قبل الانتخابات النيابية لأثره على شعبيتها، كان يمكن تجنّب كلا القرضين بدخل موسم سياحي واحد ناجح!، يحقق في العادة 14 بليون دولار، هذا من ثمرات تكتيك المعارضة، بإشعال الشغب السياسي لتأزيم الوضع الاقتصادي، لإلحاق الضرر بشعبية الحزب الحاكم، تكتيك أقل ما يُقال عنه أنه غير نزيه، إن لم نشأ وصفه باللا وطنية.. هذه أحوال لا تحث على تفاؤل، تيار الأغلبية ليس بريئاً كل البراءة من صنعها، وإن كان بالتأكيد أقل جدارة بالإدانة، فالجميع شركاء خطأ إحلال المنافسات الحزبية في وقت العمل الوطني.. لا تفهم من كلامي أن الدواعي الاقتصادية قليلة الأهمية قبل الانتفاضة وبعدها لولا الاضطراب السياسي، فالاقتصاد على الدوام أحد أهم الظواهر الاجتماعية في كل الأوقات، فقط ما كان يجب أن يتصدر أولوية الحدث، آجلاً كان سيشغل بؤرة انتباه أصحاب القرار، سوء التجاوب ما جعله أمرًا عاجلاً، وأحلَّ المهم محل الأهم، آجلا أيضًا صاحب القرار سيضطر إلى تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي المؤلمة التي يحث المقرضون الدوليون عليها، لأنها صحيحة، ولأنها مؤلمة لا يقدر على تبنّيها إلا حزب ذو شعبية يتمتع بثقة الناس، لا يشغله انعكاساتها السلبية على شعبيته، مع الأسف فى ظروف الشغب السياسي هذه؛ الأمر صعب.