ملحوظة : هذا مقال استثنائي بمناسبة معرض الرياض الدولي للكتاب؛ وسأستكمل حلقات: (حول الدستور في الدولة الإسلامية) بعده إن شاء الله تعالى.. في العام الماضي طلب عدد من الإخوة الفضلاء قائمة ببعض الكتب المهمة في فرع : النظام السياسي (الدستوري)، من علم : السياسة الشرعية . وقد اخترت ثلاثين كتابا في النظام السياسي الإسلامي، شملت بعض الكتب التراثية التي ألّفها العلماء السابقون وتلقاها مَن بعدهم مِن أهل العلم بالقبول، وكذا الكتب التي ألِّفها علماء مشهود بعلمهم في التخصص عند أهل التخصص، أو باحثون في إطار الرسائل العلمية التي يفحصها (يناقشها أو يحكّمها) أو يوصي بها علماء متخصِّصُون، إذ ليس كل ما وصف بأنَّه رسالة علميّة يكون علمياً في الواقع والحقيقة . لذلك فقد اكتفيت باختيار ثلاثين مؤلفا من هذا الطراز على سبيل التمثيل، متوخياً شمول القائمة للجوانب المهمّة، التي تُغطي الجوانب الفقهية السياسية الرئيسة لهذا المجال المهم من مجالات علم السياسة الشرعية؛ وتبقى المؤلفات البشرية عموما جهدا بشريا محكوما بالمرجعية الإسلامية المتمثلة في الكتاب والسنة وما تفرع عنهما من أصول الاستدلال وطرائقه المعتبرة .. وقد أضفت عشرين كتابا لتلك القائمة، ليكتمل عقدها في خمسين كتابا تفيد في الموضوعات، وتدل على غيرها فيها، وقد كان على رأس القائمة الأولى، كتاب:"التعليق على السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية"، لأبي العبّاس ابن تيمية؛ والتعليق الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله . نشر : مدار الوطن بالرياض، وذلك بإشراف مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية. وكتاب : "النظام السياسي الإسلامي مقارنا بالدولة القانونية – دراسة دستورية شرعية وقانونية مقارنة"؛ لشيخنا الأستاذ د. منير حميد البياتي . وهو من أفضل الكتب وأجمعها في هذا النظام السياسي، ولا يغني عنه غيره، وينصح بطبعته الثالثة 1431ه دار النفائس، ففيها إضافات مهمة (وأصله رسالة عالمية عالية(دكتوراه) استغرق إعدادها تسع سنين!). ويمكن الرجوع للمقال المشار إليه فقد نشر في الرسالة حينها، ويوجد على الشبكة الرقمية .. وسأكتفي في هذا المقال بذكر أهم ما في القائمة الجديدة، مع شيء من الحديث عنها، وهي كالتالي: 1)"المدخل إلى فقه الدولة في الإسلام"، للدكتور/ محمد العلمي، والكتاب من منشورات دار الكلمة: المنصورة، الطبعة الأولى–1432ه ؛ والمؤلف من أساتذة جامعة القرويين بفاس، ثم كلية الحقوق بسلا-جامعة محمد الخامس السويسي؛ وكتابه هذا من أجود الكتب في بابه عرضا وأيسرها أسلوبا، جمع بين الفقه والفكر، والأصالة والمعاصرة، ولعل مما يفسر ذلك: جمع مؤلفه بين المنهج التقليدي والأكاديمي وفقه السياسة الشرعية.. وقد أوقفت العمل في كتاب في الموضوع، بعد وقوفي على هذا الكتاب، واكتفيت بتدوين بعض التعقيبات والتعليقات والإشارات على هامشه.. ولعل مما يفسّر سهولة عبارته، و وضوح تقسيمه، قول مؤلفه: " ألفته لطلبة كليات الحقوق والشريعة، وعموم الدارسين، تأسيسا للنظر الدستوري على قواعد فقهية جامعة بين متطلبات علم النظم وبين ما أخلصته السياسة الشرعية من قواعد، والتاريخ السياسي الإسلامي من وقائع، لا غنى لدارس القانون الدستوري والأنظمة السياسية عن معرفتها". وأضاف مؤلفه في خاتمته مسردا وقائمة بجملة من المؤلفات المتنوعة في الفقه السياسي والنظرية السياسية في الإسلام وغيرها.. 2)"النظام الدستوري في الإسلام مقارنا بالنظم العصرية"، لمستشار مجلس الدولة بمصر، د. مصطفى كمال وصفي رحمه الله، نشر مكتبة وهبة –رحمه الله- بالقاهرة عام 1393ه؛ ويعدّه المؤلفُ: "أوّل كتابة نظرية منظّمة في النظام الدستوري الإسلامي" يعني على طريق التأليف المعاصرة. وقد جاء في مقدمة طبعته الثانية: " ولا نعجب أن يأتي زمان تتخذ فيه الدول الإسلامية الدساتير الإسلامية.. وخاصة إذا قويت مكانتها الدولية لدرجة تسمح لها باختيار نظامها السياسي بدلاً من أن تضطر إلى الدوران في فلك إحدى الكتلتين" . ويعني بالكتلتين حينها : حلفي وارسو الشرقي والناتو الغربي.. وهذا الكتاب سهل جامع لمهمات الدستور الإسلامي برؤية شرعية تأصيلية .. 3) "منهاج الإسلام في الحكم"، للمفكر البولندي النمساوي/محمد أسد رحمه الله، وترجمه تحت إشراف المؤلف/منصور محمد ماضي، نشر دار العلم للملايين ببيروت عام 1376ه/1957م، ثم طبع عدة طبعات؛ وأصله رسالة كتبها المؤلف بعنوان: (بناء الدستور الإسلامي -Making Islamic Constitution) ونشرت عام 1367ه، وكان حينها رئيسا لدائرة (إحياء النظم الإسلامية) وهي مؤسسة حكومية مهمتها وضع الأسس الفكرية والاجتماعية لبناء الدولة الناشئة بباكستان. ومع أن المؤلف غربي المولد كتابي النشأة، إلا أنه فنّد الأصول الفلسفية للفكر السياسي الغربي الحديث بما لا يستغني عنه متخصص في الفكر السياسي المقارن.. وقد بيّن مقصده من الكتاب في قوله : " لم أقصد من هذا الكتاب أن يُقدم (مشروعا) لدستور دولة إسلامية، لقد حاولت فقط أن أبرز فيه بعض النصوص الواضحة من الشريعة، والتي لها علاقة بمشاكل الدولة والحكومة، وأن أناقش كيفية تطبيقها حسب مقتضيات العصر الحديث، وأن ألفت نظر القارئ إلى المواد الشرعية التي يجب –مهما تكن الظروف- أن تحتل مكانها في دستور يفرض فيه أن يقوم على أساس الإسلام؛ كما حاولت أيضا أن أثبت أن الشريعة تقدم لنا مبادئ محددة واضحة لنظام سياسي خاص بها، تاركة لاجتهاد العصر أن يضع التفاصيل بما يحقق حاجات ذلك العصر".. ويعتذر مسبقا ممن قد يؤاخذه على بعض آرائه الشخصية بقوله: "فمما لا شك فيه أن بعض آرائي سوف تثير المعارضة والجدل(وهو أمر لا أستطيع تجنبه على كل حال) بيد أني كنت دائما أعتقد- وأعتقد اليوم أكثر من أي يوم مضى- أنه بدون تصارع الأفكار وما ينشأ عنه من شحذ للملكات وحضّ على التأمل والتفكير، لا يمكن أن يتحقق لنا التقدم الفكري الذي ننشده للعالم الإسلامي" .. قلت: وهذا بعد تسليمه رحمه الله بمرجعية الكتاب والسنة، وتقريره في كتابه هذا لسيادة الشريعة وحاكميتها على كل القوانين والنظم البشرية .. 4)"المشروعية الإسلامية العليا"،للمستشار د.علي جريشة رحمه الله، وأصله: رسالة علمية عالية (دكتوراه)، نشرته مكتبة وهبة –رحمه الله- أكثر من مرة في العقد الأول من هذا القرن الهجري؛ فقد طبع في جزء مفرد، وطبع أيضا في أجزاء؛ وهو من أهم الكتب التي تعالج أصل أصول النظام السياسي الإسلامي؛ وشهرته تغني عن الحديث فيه .. 5)"رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي" ، للدكتور/ محمد رأفت عثمان، ونشرته دار القلم : الإمارات العربية المتحدة: دبي عام 1395ه، ثم عام 1406ه؛ وأصله : رسالة عالمية عالية "دكتوراه"، في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر؛ وهذا الكتاب من أجمع ما كتب في الموضوع . 6)"الإمامة في الإسلام أسس ومبادئ و واجبات"، للدكتور/عبدالله بن عبدالمحسن الطريقي، نشر مؤسسة الجريسي عام 1418ه، وهو كتاب سهل العبارة، مناسب للقراء والباحثين، نافع في التأصيل مع صغر حجمه، يذكر الأقوال، والأدلة، و وجه الاستدلال، والترجيح المعلل بعلل وجيهة .. 7)"العزل عن الولايات النيابية في الفقه الإسلامي"، للدكتور/عبدالله بن صالح الكنهل، نشر عام 1425ه في جزئين، ضمن سلسلة مشروع وزارة التعليم العالي – بالمملكة العربية السعودية- لنشر ألف رسالة علمية؛ رسالة عالمية عالية(دكتوراه)؛ وهو من أشمل ما كتب مفردا في بابه . 8)"الاستضعاف وأحكامه في الفقه الإسلامي"، للدكتور/ زياد بن عابد المشوخي؛ وأصله: رسالة عالمية عالية "دكتوراه"، وقدم له د. حسن بو غدة ، وطبعته دار كنوز إشبيليا : الرياض- 1433ه . 9)"المشاركة في الحياة السياسية في ظل أنظمة الحكم المعاصرة- رؤية فقهية معاصرة"، للدكتور/مشير عمر المصري، نشر دار الكلمة بمصر، عام 1427ه؛ وأصله رسالة علمية عالية (ماجستير) من الجامعة الإسلام بغزة ؛ وبحث فيه ثلاث قضايا مهمة في الفقه الدستوري، وقد لا تظهر في عنوانه عند الباحث المبتدئ، وهي : التعددية السياسية في الدولة الإسلامية؛ والمشاركة في المجالس النيابية والوزارة؛ والتحالف السياسي وضوابطه . 10)"الافتيات في التصرفات الشرعية"، د. عز الدين كحيل، وأصله : رسالة عالمية عالية "دكتوراه"، نشر دار ابن حزم ببيروت عام 1433ه؛ وقد بنى الباحث فيه (نظرية الافتيات على الأفراد وعلى أصحاب الولايات) على مصدرين أصيلين أساسيين، هما : (الأحكام السلطانية والولايات الدينية) للقاضي أبي الحسن الماوردي، و(الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام) لشهاب الدين القرافي ، والمهم فيه هنا هو الجانب المتعلق بالفتيات على . 11)"التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم داخل دولة واحدة" ، لسورحمَن هدايات، نشر دار السلام 1421ه؛ وأصله رسالة عالية(ماجستير) في السياسة الشرعية، من قسم السياسة الشرعية بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر ، وهو من أشمل ما كتب في بابه . 12)"دراسات حول التعددية الحزبية والتحالفات مع الأحزاب العلمانية"، للدكتور/ هشام محمد سعيد آل برغش، ومضمون الكتاب ظاهر من عنوانه، ونشرته دار اليسر بالقاهرة، عام 1432ه، وذلك ضمن سلسلة إصدارات الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح بمصر . 13)"مسؤولية الراعي في الفقه الإسلامي دراسة فقهية مقارنة"، للدكتورة/ وفاء غنيمي محمد غنيمي؛ نشر دار الصميعي بالرياض، عام 1430ه؛ وأصله رسالة علمية؛ والكتاب أشمل مما قد يفهم من عنوانه، إذ لم يقتصر على مسؤولية الراعي بمقتضى الولاية العامة، لكنه مهم في بابه، ويُعد مشاركة نسائية في مسائل السياسة الشرعية، وفيه نموذج عملي – مع غيره- لكثير من طالبات الدراسات العليا، اللاتي يسألن كثيرا عن الرأي في تخصص المرأة في السياسة الشرعية .. 14)"الفرقان المبين في نصرة شريعة رب العالمين – فتاوى كبار علماء العالم الإسلامي في ضرورة تحكيم الشريعة الإسلامية"، جمع الباحث عمرو ندا ؛ فقد قال مقدمُه الشيخُ الدكتور محمد يسري إبراهيم : " لما أصدرت دار اليسر العامرة رسالتها الماتعة بعنوان0فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف في وجوب تعظيم الشريعة وتحكيمها، أشرت على الباحث عمر ندا بأن يجمع إليها فتاوى لعلماء سائر الأمصار والبلدان؛ حتى يظهر بجلاء أن تعظيم وتحكيمها إجماع صحيح منعقد في كل الأقطار، فجاءت الفتاوي تترا من كل حدب وصوب تشهد للشريعة بالتفوق والفوقية، وتقرّ لها بالعظمة والمرجعية، بانَ هذا المعنى في الفتاوى الفردية كما تجلّى في الفتاوي المجمعية والجماعية ... وهذا الكتاب المهم يهدي اليوم أمتنا لتتلمس طريق عزتها وتأخذ بجادة كرامتها وسؤددها بعد تيهٍ دام قرابة قرنٍ وربع قرنٍ من الزمان " . وتضمنت الفتاوى تفنيداً للدعاوى العلمانية في العالم الإسلامي .. 15)"التفسير السياسي للقضايا العقدية في الفكر العربي" ، للأستاذ/ سلطان بن عبدالرحمن العميري ، نشر مركز التأصيل للدراسات والبحوث بجدة، عام 1431ه . وتتضح أهميته ضمن هذه القائمة، لمن يقرأ في بعض الكتب السياسية والفكرية المعاصرة، التي فسرت جملة من المناهج والمفاهيم والمصطلحات الإسلامية والمواقف السياسية الشرعية، تفسيرا سياسياً محضا، يفتقد البرهان العلمي، بل تنفيه الأدلة العلمية والبحث الموضوعي . هذا ما سمح به المقام، وهناك مئات الكتب التي تحدثت عن النظام السياسي الإسلامي، وفيها خير كثير ونفع للمتخصصين؛ غير أنَّ من تلك الكتب المئين - أيضاً- ما هو دون مستوى الموضوعية والبحث العلمي الأصيل وإن لَمَعَ عنوانه أو اشتهر ذكره! خاصة من كان صاحبه ضعيفا في أدوات الفقه وأصوله، هزيلا في الملكة الفقهية الشرعية، أو فاقداً لها دخيلا على العلم؛ وأشدّ من ذلك كلّه سوءاً من رام من تأليفه شرعنة السياسات الباطلة المناقضة لأصول الإسلام وفروعه!