هذه العبارة يقولها بعض إخواننا من سكان البادية إذا هطلت الأمطار بديارهم وأنبتت العشب والكلأ الكثير وطابت معيشتهم واهتزت الأرض وربت وانبتت من كل زوج بهيج فبقول قائلهم مبتهجا ً(يازين جُرَة ربي) والجرة في لهجاتهم معناها آثار المشي، يقولون هذه جرة فلان، يعني آثار أقدام ومشي فلان. وهذه العبارة يقولها أولئك القوم بحسن نية ولا يقصدون معناها القبيح ، ويقصدون بهذه الكلمة أن الأرض حَسُنت وأصبحت بهيجة المنظر بعد أن تفضل الله جل وعلا عليهم بالمطر ، قال تعالى (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قال الماوردي في تفسيره (4 / 321): قوله تعالى: (فَانظُرْ إِلَى آثارِ رَحْمَةِ اللَّهِ) يعني المطر. (كَيْفَ يُحْيي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهآ) يعني بالماء حتى أنبتت شجراً ومرعى بعد أن كانت بالجدب مواتاً. وهذه الكلمة لا يصح قولها، لأن قولهم(جُرة ربي) الجرة كما ذكرنا آنفا آثار مشي أقدام المخلوق، وهذا مما لا يليق قوله في حق الله تعالى، تعالى ربنا عن ذلك علوا كبيرا. فالله سبحانه له صفات الكمال والجلال (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ومن عقيدة أهل السنة والجماعة إثبات الصفات التي أثبتها الله لنفسه في كتابه أو نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته من غير تشبيه أو تكييف أو تعطيل، وقائل هذه العبارة عياذا بالله شبه الخالق بالمخلوق وأن مشيه كمشي المخلوق له جُرة وأثر كما للمخلوق جرة واثر وهذا لا يجوز. قال ابن كثير في (3 / 427):(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) بَلِ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْأَئِمَّةُ -مِنْهُمْ نُعَيْم بْنُ حَمَّادٍ الْخُزَاعِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ-: «مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ جَحَدَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ». وَلَيْسَ فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا رَسُولَهُ تَشْبِيهٌ. وفق الله إخواني القراء للقول النافع والعمل والصالح.