تلقى الناس خبر التشكيلة الجديدة لهيئة كبار العلماء بقدر كبير من التفاؤل ممزوج بالتطلعات التي تحدو الناس ويأملون في تحقيقها؛ فما الذي عنته التشكيلة الجديدة؟ وهل يمكن أن تساهم في تخفيف حدة الانتقادات الموجهة للهيئة والتي تصفها بإقصاء المذاهب الفقهية الأخرى غير المذهب الحنبلي؟ وكيف يمكن أن تسهم التشكيلة الجديدة في تعزيز وحدة الصف، وترسيخ مكانة العلماء لدى عامة الناس؟ وما المطلوب من الهيئة حتى تؤدي دورها بكل فاعلية وتسهم في حل مشكلات الناس بشكل واقعي؟ (الرسالة) طرحت هذه الأسئلة وغيرها على مجموعة من المختصين والشرعيين وجاءت آراؤهم من خلال الاستطلاع التالي: في البدء بارك الأمين العام للهيئة العالمية لعلماء المسلمين الدكتور سعد الشهراني للأعضاء الجدد اختيارهم المبارك وثقة المليك خادم الحرمين الشريفين فيهم، وللأعضاء السابقين الذين تم تمديد خدماتهم، متمنيًا للجميع التوفيق، معتبرًا هؤلاء الأعضاء كما هو الحال في أعضاء هيئة كبار العلماء أنهم يحظون بالقبول ليس في المملكة وحدها فحسب بل وفي جميع أقطار العالم لمكانة علماء المملكة في قلوبهم، ورسوخ العلم في هؤلاء العلماء الثقات، ولمنهجهم الذي يسيرون عليه وهو منهج السلف الصالح في الفتيا، داعيًا الجميع أن ينتفعوا بعلمهم ويبلغوه للناس، متطلعًا أن تقوم وسائل الإعلام المختلفة بمراعاة حقوق العلماء وإبراز دورهم الريادي في نهضة الأمة، وأنهم هم الموقعون عن رب العالمين، كما طالب الشهراني بعدم نشر الشائعات التي توهن مكانة العلماء في نفوس الناس، مبينًا أن هذه التعيينات بمثابة ثقة لخدمة المجتمع والأمتين العربية والإسلامية. دماء جديدة وقال أستاذ العقيدة رئيس قسم الإعلام بجامعة أم القرى سابقا الدكتور أحمد بناني: إن حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله تعالى- على إعادة تشكيل هيئة كبار العلماء والمجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا لدليل صادق على متابعته حفظه الله على إتاحة الفرصة لدماء جديدة أن تأخذ دورها في خدمة هذا الوطن الغالي، ولتحديث الأفكار والوسائل بما يتناسب مع التطور السريع الذي يشهده العالم من حولنا ونحن جزء منه. أما المشرف على كرسي الأمير سلمان بن عبدالعزيز لدراسات تاريخ مكةالمكرمة د.عبدالله بن حسين الشريف فقد أكد أن المراسيم والأوامر والقرارات الملكية بإعادة تشكيل هيئة كبار العلماء والمجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا جاءت إدراكًا من خادم الحرمين الشريفين لأهمية العدل في حياة الأمم؛ فبالعدل يحفظ الأمن والاستقرار ويعم الرخاء وتدوم الدول وتعز الممالك، كما أن العناية بتلك الهيئات والمجالس والمؤسسات التي تقع في قمة الهرم العدلي عامل رئيس في ترسيخ العدل في وطن اختار الحكم بشريعة الله وجعل دستوره القرآن والسنة. كما أثنى الشريف على إعادة تشكيل مجلس الشورى استمرارًا لتطبيق مبدأ الشورى واستجابة لقوله تعالى "وأمرهم شورى بينهم" وأمره تعالى "وشاورهم في الأمر"، كما أثنى على تغذيته بعدد من العلماء والأكاديميين والمتخصصين في شتى المجالات، وإشراك المرأة السعودية فيه التي وصفها بأنها خطوة تاريخية تستهدف الإفادة مما وصلت إليه المعرفة، وتنويعًا للطرح الفكري، واستفادة من جميع عناصر المجتمع، وأشار الشريف إلى أن الفاروق عمر قد استشار النساء واستعان بحدة ذكاء الشباب، وأعرب الشريف عن تفاؤله بإشراك الشباب المتسم بالرأي والمتسلح بالعلم والمعرفة والعارف بمصلحة الأمة والحريص على سلامة الوطن. كما أوضح الشريف أن القرارات استهدفت استمرار العطاء بالإبقاء على القدرات ذات العطاء المتميز من العلماء الأجلاء، والرغبة في التجديد وبعث روح الحيوية باستقطاب الكفاءات التي ظهر نبوغها، وبان فضلها وعلمها لتحل محل ثلة من العلماء والمتخصصين خدموا الدين والوطن بإخلاص وتفان. وأكد الشريف أن تتابع المراسم الملكية استهدف الارتقاء بخدمة المواطنين، والنهوض بالوطن، كما دل بوضوح على حرص قيادتنا الرشيدة على الارتقاء بوطننا العزيز المملكة العربية السعودية إلى مصاف العالم الأول. الوقاية من الفتن من جانبه قال عضو هيئة التدريس بجامعة شقراء عضو الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب الدكتور نهار بن عبدالرحمن العتيبي: إن زيادة عدد أعضاء هيئة كبار العلماء هو أمر موفق وقرار مناسب لا سيما في ظل حاجة الناس للفتوى وكثرة القضايا المطروحة؛ فالعلماء هم المؤهلون للفتوى، والمرجع عند المعضلات، وقد قال عنهم الله تبارك وتعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، وجعل الله تعالى للعلماء الرفعة في الدنيا والآخرة فقال سبحانه: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"، وقال تعالى: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ"، فالعلماء هم أشد الناس خشية لله عز وجل ولذلك كان سؤالهم والاستفادة منهم أمر في غاية الأهمية، كما أشار العتيبي إلى أن التمديد لهؤلاء العلماء، وإضافة عضوين آخرين جاء في وقت مناسب لعدة أسباب أهمها، أن الناس في حاجة ماسة للاستفادة من العلماء وسؤالهم، وأخذ الفتوى عنهم، وهذا يحتاج إلى العديد من العلماء؛ فالمناطق كبيرة وعدد السكان في تزايد مستمر، إضافة إلى كثرة القضايا وتشعبها، وحاجة الناس لبيان الأحكام الشرعية فيما يعايشونه ويجدونه من أمور تتعلق بالعبادات أو بالقضايا الاجتماعية والمعاملات المالية أو بغيرها مما يلامس حياة الناس أو مستقبلهم. كما أوضح العتيبي أن الحاجة الآن ماسة لبيان الحق في ظل تطور الإعلام وانتشاره سواء كان إعلامًا مرئيًا أو مسموعًا أو مكتوبًا أو ما بات يسمى بالإعلام الجديد الذي تنتقل من خلاله المعلومة بسرعة كبيرة جدًا، وفي أحيان كثيرة تكون هذه المعلومة إما مغلوطة كأن تكون صادرة عن جاهل أو تكون هذه المعلومة مدسوسة من حاقد أو عدو للإسلام فيكون لها تأثير سلبي على متلقيها خاصة في أوساط الشباب وهنا يأتي دور العالم في بيان الحق وإيضاحه وفضح الباطل وإزهاقه. كما أكد العتيبي أن للعلماء دورًا كبيرًا في وقاية الأمة من الفتن؛ فالعالم يشعر بالفتنة قبل وقوعها، ويبين كيفية التعامل مع الفتن، والمنهج الشرعي الذي يجب على المسلمين اتباعه في الفتن، الأمر الذي يساهم في سلامة البلاد والعباد من الوقوع في الفتن المذمومة التي لا تأتي بخير. كما أوضح العتيبي أن وجود العلماء له دور كبير في القضاء على المتعالمين الذين يدعون العلم وهم ليسوا كذلك، ويفتون الناس وفتاواهم مخالفة لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ فإذا فضح العلماء هؤلاء المتعالمين وبينوا للناس عوارهم وخطأهم فقد هؤلاء المتعالمين ثقة الناس فيهم، ولم يعد لفتاواهم قبول فكسدت بضاعتهم المزيفة وانكشف ضلالهم للناس. توحيد الأمة أما عضو الجمعية الفقهية السعودية الدكتور حمود بن محسن الدعجاني فقد أبان أن ولي الأمر أناط بهيئة كبار العلماء تولي الفتاوى في القضايا العامة والكبيرة، وما يحيله لها ولي الأمر من قضايا لدراستها والفتوى منها لرفع الخلاف، حتى يساهم ذلك في توحيد الأمة وعدم تفرقها، ويبعدها عن التعصب والفهم الخاطئ وإثارة الفتن، ويقربها من مراعاة المصالح والمفاسد. كما أكد الدعجاني أن الفتوى إذا صدرت عن جماعة كانت أكمل وأفضل وأقرب للوصول إلى الحق، مشيرًا إلى فعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حينما كان يحزبه أمر يجمع إليه أصحاب بدر، وهم كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار لكي يأخذ رأيهم في المسألة، وهذا من سعة فقهه، كما أشار الدعجاني إلى تمثيل المذاهب الفقهية في تشكيل الهيئة الجديد، كما أوضح أن القرارات التي تصدر عن الهيئة تعتمد على الكتاب والسنة، وبعضها يخرج عن المذهب الحنبلي لقوة الدليل في المذاهب الأخرى؛ فالعبرة هي قوة الدليل لا اتباع مذهب معين. مواكبة حاجات الناس ويرى الداعية محمد بن سرار اليامي أن أهل العلم هم من يختارون هذه الهيئة وأن ولي الأمر يقرهم على ذلك، كما أعرب اليامي عن أمله في تطوير هيئة كبار العلماء وفروع الإفتاء لمواكبة حاجات الناس في مختلف مناطق المملكة. وأوضح اليامي أن الناس يتطلعون إلى أن تقوم الهيئة بدورها المأمول تجاه قضايا الأمة، والعناية بواجب النصيحة لولاة الأمر خاصة ثم عامة المسلمين، وكذلك اتخاذ الدور الريادي والمبادر لحل مشكلات الواقع، كما أكد اليامي أهمية وجود ناطق رسمي للهيئة لبيان مواقفهم في الشأن العام والخاص، وتطوير مجلة البحوث العلمية للهيئة ومواكبتها للعصر، وتشكيل لجنة إعلامية مختصة بتنسيق دروس الأعضاء والتنسيق الإعلامي لهم، كما أكد أهمية حفظ نتاجهم العلمي ونشره والتنسيق مع الباحثين فيما يخدم الهيئة، كما أشار إلى إمكانية الإفادة من البحوث المحكمة ونشرها من خلال مجلة البحوث، بالإضافة إلى تعزيز الهيئة بطاقم قوي من الباحثين في كل التخصصات خاصة في فقه المقاصد والسياسة الشرعية. تنوع المذاهب ومن ذات السياق يرى الداعية خلوفة الأحمري أن اختيار هيئة كبار العلماء من المدارس الفقهية المختلفة هو في حقيقته سير على النهج الصحيح في البحث عن الدليل حتى تعلم بقية المدارس المتعصبة أن علماءنا يقبلون القول من جميع المذاهب ما دام يوافق الدليل الصحيح، وأكد الأحمري أهمية هذه الخطوة التي ستسهم -برأيه- في تصحيح الفهم الخاطئ والمغلوط حول التعصب للمذهب؛ حيث يظن البعض أن علماءنا متعصبون للمذهب الحنبلي دون غيره من المذاهب وهذا الكلام غير صحيح، فعلماؤنا كثيرًا ما يوافقون الإمام مالك والشافعي وأبا حنيفة في كثير من المسائل والفتاوى. وأضاف الأحمري أن تنوع الأحكام في الفروع الفقهية من عظمة هذا الدين وسعته وشموليته، ومن رحمة الله بعباده، موضحًا أن جميع المذاهب الفقهية الأربعة مجمعة على الأصول الشرعية قولًا واحدًا، ومن هنا فإن علماءنا يرجحون بين الأقوال، ويختارون الأقرب منها للدليل، كما أكد الأحمري أن هناك الكثير من الفتاوى تخالف المذهب الحنبلي؛ لأن الفتوى هي ما كان منها أقرب للصواب المبني على الدليل الصحيح. ومن جانبه يؤكد أستاذ السياسة الشرعية والقضاء الشيخ محمد علي البيشي بأنّ التشكيلات الجديدة التي شملت هيئة كبار العلماء والجهات العدلية هي سلسلة طبيعية لامتداد التغييرات الإصلاحية والتطويرية التي تقوم بها الحكومة الموفقة بين حين وآخر، وحسب المصلحة المرجوة من الإبقاء أو الإعفاء، خاصة لهيئة كبار العلماء، كما أنها تعكس تجديدًا لبقاء الأفضلية ممن استمر، وإضافة لمتخصصين يثرون الهيئة بنظرة شابة مع ثبات المقاصدية الشرعية والرسوخ العلمي، مستبعدًا أن تكون الهيئة ستكتفي بإضافتين لأعضائها، ولعل المستقبل القريب ينبئ عن أسماء مباركة مؤثرة تضاف لها، مشيرًا بأنّ الهيئة ليست جهازًا إداريًا تُقاس مهمّته من خلال معايير الأداء والإنجاز فقط بل هي جهة شرعية قامت الدولة على الرسالة التي احتوت عليها، وهي في أصل إنشائها جهة استشارية خاصة بما يحيل إليها الملك أو ذو الصلاحيات للمسائل التي يريد معرفة الحكم الشرعي أو رأي الفقهاء فيها، مؤكدًا أنّها فتحت أبوابها لتغطية إشكالات الناس اليومية؛ فهي تحتاج مزيدًا من الأعضاء لمواكبة الازدحام الإفتائي عليها، وتمنى البيشي أن تسرع الهيئة لفتح فروع لها في المناطق مع تكليف المؤهلين في كل منطقة. ويضيف البيشي قائلًا: «ما يتم من اختيارات لأعضاء مختلفي المذاهب داخل الهيئة هو اعتراف بالتعددية الفقهية في المسائل الاجتهادية، وإظهار صورة مشرقة للألفة والمحبة بين المختلفين، والحفاظ على حقوق الأخوة الإسلامية، مما يثري الأبحاث التي ترفع للهيئة على المستوى الحكومي والفردي، وتعكس منظرًا حضاريًا يقتدى به على درجة تتجاوز الداخل الإسلامي. التجديد المستمر من جانبه يعتبر الكاتب الصحفي خالد الوحيمد أنه لا بد من أن يكون هناك تجديد باستمرار في فهم النصوص الفرعية من العقيدة الإسلامية وبخاصة بعض الأحاديث المنسوبة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم مما هي محل متشابه. وأشار الوحيمد إلى أهمية وجود تفسير جديد يتماشى مع هذا العصر. كما أشار إلى أهمية عمل الهيئة في الحد من التخبط بالفتاوى الشاذة عبر المواقع الاجتماعية؛ فجيل الشباب هذا اليوم أضحى واعيًا في المجالات كافة، مشددًا على أهمية تقنين النصوص، خاصة فيما يتعلق بالقضايا التي تشغل المجتمع. مهام الهيئة من جانبه يرى الكاتب سعد السهيمي بأنّ الهيئة شهدت منذ بداية تأسيسها عدة تشكيلات من أصحاب الفضيلة كبار العلماء ومن أبرز مهامها إشرافها على الأبحاث المعدة لها من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعلى ضوئها تصدر القرارات المناسبة في نهاية كل بحث، والتي تقوم بتهيئتها وعرضها على هيئة كبار العلماء (الأمانة العامة لهيئة العلماء) ممثلة في الأمين العام للهيئة، منوهًا على أنّه قد تضمن أول مرسوم لتكوين الهيئة أن يكون هؤلاء العلماء من كبار المختصين في الشريعة الإسلامية من السعوديين، ويجري اختيارهم بأمر ملكي، ويجوز عند الاقتضاء وبأمر ملكي إلحاق أعضاء بالهيئة من غير السعوديين ممن تتوافر فيهم صفات العلماء، وكان قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفقه الله بإعادة تشكيل هيئة كبار العلماء في الدورة قبل الماضية قد ضخ اسماء جديدة اخرجت الهيئة من إطار المذهب الواحد المشهور عند الناس، موضحًا بأنّ لهذه التشكيلات المتوالية دورا في ضم بعض العلماء إلى الهيئة من العلماء الشباب أو أصحاب الخبرة والقوة العلمية، ومن الأوجه المقبولة علميًا من قبل كثير من التيارات السعودية ولها ظهور فضائي ومشاركة في بعض اللجان البحثية التي تخرجها رئاسة البحوث العلمية والإفتاء، كما أشار السهيمي إلى استمرار من يمثلون أهل المذاهب الأربعة السنية الشهيرة كأعضاء في التشكيل الجديد وهي: المذهب الحنفي، المذهب الشافعي، المذهب المالكي والمذهب الحنبلي، وتشكيل الهيئة الحالي استمر فيه بعض العلماء من المناطق المشهورة ببعض المذاهب منذ القدم وحتى الآن مثلما اشتهرت منطقة الحجاز بالمذهبين الشافعي والحنفي، مشيرًا بأنّ من أبرز الذين يمثلون المذاهب الأربعة في التشكيليين الأخيرين العلماء الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان أحد أعضاء هيئة كبار العلماء في منطقة الحجاز، وفي منطقة المدينةالمنورة يبرز بشكل كبير منذ القدم المذهب المالكي باعتبار أن الإمام مالك كان إمام دار الهجرة ويمثله الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي لاهتمامه بدراسة الفقه المالكي وإن كان في اختياراته العامة هو مع الدليل، وفي الاحساء تم اختيار الشيخ الدكتور قيس بن محمد بن عبداللطيف آل الشيخ مبارك من علماء الأحساء وهي منطقة اشتهرت بالمذهب الشافعي، ومن قبلهم كان هناك الشيخ احمد سير مباركي من أهل الجنوب، والهدف أن يكون هناك تمثيل لكل المناطق في الهيئة. آلية الاختيار وعن الكيفية التي يمكن أن تؤدي الهيئة الدور الفعال يوضح السهيمي أن الهيئة هي تقوم بمهام متعددة من أبرزها إبداء الرأي فيما يحال إليها من ولي الأمر من أجل بحثه، وتكوين الرأي المستند إلى الأدلة الشرعية فيه، كما تقوم بالتوصية في القضايا الدينية المتعلقة بتقرير أحكام عامة؛ ليسترشد بها ولي الأمر، وذلك بناء على بحوث يجرى تهيئتها وإعدادها طبقًا لما نص عليه الأمر المشار إليه، واللائحة المرافقة له. ويتفرع عن الهيئة لجنة دائمة متفرغة اختير أعضاؤها من بين أعضاء الهيئة بأمر ملكي، وتكون مهمتها: إعداد البحوث وتهيئتها للمناقشة من قبل الهيئة، وإصدار الفتاوى في الشؤون الفردية، وذلك بالإجابة عن أسئلة المستفتين في شؤون العقائد والعبادات والمعاملات الشخصية، وتسمى (اللجنة الدائمة للبحوث والفتوى) ويلحق بها عدد من البحوث. وقد نص المرسوم أن يعين بقرار من مجلس الوزراء أمين عام للهيئة يتولى الإشراف على جهاز الأمانة، ويكون الصلة بينها وبين رئاسة البحوث العلمية والإفتاء. ويؤكدّ السهيمي أنّه ليست العبرة بتعدد المذاهب بل العبرة باتباع الدليل من الكتاب والسنة وعدم التعصب للمذهب سواء أكان حنبليا أو شافعيا أو مالكيا أو حنفيا، ويرى السهيمي أن هذا ما تسير عليه الهيئة من خلال عملها حيث إن قراراتها تتخذ بالإجماع، والقرارات الفردية لا تفرض، وهذا أمر إيجابي يساعد الهيئة على أداء عملها بسلاسة، والبحث عما يوافق الدليل لا أن يوافق أي مذهب كان، وأشار السهيمي إلى أن التنوع في المذاهب مهم فهو يساهم في تكريس اتباع الدليل عند الاختلاف في المسائل الفرعية، والكل دون شك حريص على أن يأخذ بالدليل كما هو معروف ومتأصل ومذكور عن الائمة الربعة أنهم يقولون قولي هو ما وافق الدليل، فلم يكن لديهم تعصب بل كانوا يجتهدون في آرائهم. منطقية التغيير من جهته يعتقد عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى د. عادل باناعمة أنّه أول ما ينبغي النظر فيه في قرار تشكيل الهيئة هو منطقية التغيير من حيث هو تغيير، فتعاقب الكفاءات على العمل الواحد يفضي إلى تطويره وتنميته، والعملُ العلميّ خاصةًَ إنما ينمو بتلاقح العقول، وتساوق الأفهام، وتجاذب الآراء، مؤكدًا بأنّ التغيير الذي حصل في هيئة كبار العلماء ابتداءً من هذا المنظار المجرّدِ الذي يرى فيه تجديدًا للدماء وتحريكًا للهيئةِ، ومحاولة للاستفادةِ من عدد أكبر من علماء البلادِ وفقهائها، مشددًا على أنّ التسارع الحضاري، والحركة المجتمعية الحثيثة تولّد مشكلاتٍ فقهيةً وشرعيةً تحتاج إلى نظرٍ واسعٍ لا يقتصر على مدرسة فقهية واحدةٍ ولا على مذهبٍ بعينِهِ، وأرجو أن يكون في هذا التنوع الفقهي في تشكيلة الهيئة الجديدة ما يعين على هذا، مضيفًا بأنّ حادثة (توسعة المسعى)، أعطت نموذجًا عمليًا من خلال تداعياتها على ضرورة أن يكونَ هناك توسّعٌ في النظر في المذاهب والآراء ولا سيما في القضايا التي ترتبط بالمسلمين عمومًا كالحج. ويستبشر باناعمة بالتنوع الفقهي الذي اشتمل عليه التشكيل الجديد، فإنني شديد الخشيةِ من أن يتخذ ذلك سبيلًا لتصديعِ صخرة (الممانعة) التي كانت سببًا بحمد الله في حفظ البلاد من كثير من التوجهات السلبيةِ، وأنا واثقٌ إن شاء الله أنّ مجلس الهيئة الجديد سيتمكن من الموازنة الراشدة بين استثمار التنوّع الفقهي الغنيّ، وبين سدّ الطريق على محاولات علمنةِ البلدِ وتغريبِهِ وإفقادِهِ سمتَهُ المحافِظةَ التي عُرف بها، تلك المحاولات التي تبدأ بالطرق على وتر الخلاف المشروع ثم تنتهي إلى غير المشروع اتفاقًا. كما أكد باناعمة على أهمية الحضور في النوازل، فأحيانا تشعر أن الهيئة أو بعض أعضائها بعيدون عن كثيرٍ مما يثارُ في الساحة، نوازلُ كثيرةٌ، ومشكلات، وقضايا، وحوادث يتحدث فيها الصغير والكبير، ثم تجدُ أن الهيئة أو بعض أعضائها على الأقل هم آخر من يسمع لهم صوت. والواجب على قيادات علمية بهذا الحجم أن تكون أكثر مساسًا بما يشغل الرأي العام. كما أكد باناعمة على ضرورة التحلي بالمرونة في التواصل وابتكار آليات ووسائل أكثر فاعلية تمكن الناس من الوصول للهيئة وعلمائها لاستفتائهم، مثلًا: خط مجاني ساخن يتعاقب عليه أعضاء الهيئة للفتيا، أو إنشاء غرفة إلكترونية كغرف (البال توك) يحضر فيها المشايخ بالتناوب ليجيبوا مباشرة على أسئلة السائلين، أو تنظيم لقاءات انترنتية مباشرة على نظام الاستشارات المباشرة. ويشير باناعمة إلى أهمية إعطاء الهيئة صلاحية المبادرة؛ فبقاؤها - كمجلس الشورى- مقتصرةً على ما يحال إليها من قضايا يجعلها محدودة الأثر. وأكد باناعمة أن مثل هذه الملاحظات المقصود بها تطوير عمل الهيئة كمؤسسة يتوقع منها الكثير، ولا تعني بحال الإشارة إلى أنّ جميع أعضاء الهيئة لا يقومون بواجبهم. بل إن غاية ما هنالك أن إجلالنا لهذه القامات الكبيرة يجعلنا نطمع منهم في الكثير والكثير. مواكبة التغيير أما الأكاديمي والباحث الشرعي د. محمد الصواط، فإنّه يرى أن التشكيلات المتتالية لهيئة كبار العلماء تدل على عدة أمور منها: أهمية الدور الذي تقوم به الهيئة؛ فدورها محوري ومهم، فهي عبارة عن نقطة الانطلاق ومحور الارتكاز في المجتمع. وعن رأيها يصدر العامة والخاصة، كما تدل على رغبة ولي الأمر في أن تكون الهيئة مواكبة لتغيرات العصر وحاجة المجتمع، بالإضافة إلى الرغبة في ضخ دماء جديدة في الهيئة من أجل التطوير والتجديد. وعن كيفية تأدية الهيئة لدورها بشكل أكثر فعالية يؤكد الصواط على أهمية مواكبة قضايا المواطن العادي وتلمس حاجياته وإصدار الفتوى الشرعية فيها، ومواكبة قضايا المسلمين العامة ومعايشة آلامهم وإصدار البيانات في ذلك. كما شدد الصواط على ضرورة الاستعانة بالخبراء والمختصين في القضايا التي تعرض عليها سواء طبية أو اقتصادية أو غيرهما. كما أشار إلى الصواط إلى أهمية التواجد في الدورات والملتقيات العلمية وعدم الاكتفاء بالفتاوى والبحوث، ومد جسور التعاون مع الجهات ذات الاختصاص فيما فيه خير المجتمع كالجامعات ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها. وألمح الصواط إلى أهمية النزول لمستوى رجل الشارع البسيط الذي يحتاج لفتوى عاجلة أو إرشاد ديني وذلك يكون بتسهيل وسائل الاتصال بالهيئة وإقامة فروع لها بكل مدن المملكة وفي ذلك حد من ظاهرة تسلق الفتوى من كل من هب ودب. وأكد الصواط أن التشكيلات الأخيرة للهيئة روعي فيها التنوع المذهبي السني؛ ففيها فقهاء من المذاهب الفقهية الأربعة كافة وان كان هناك غلبة للفقه الحنبلي نظرا لكثرة اتباعه في هذه البلاد، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن هيئة كبار العلماء لا تقيد نفسها بمذهب واحد بل تجتهد وتختار من بين كل المذاهب الأربعة ما هو أرجح دليلا وأكثر تحقيقًا للمصلحة. اقتصار اللجنة الدائمة على القضايا الشخصية و"الهيئة" على القضايا الكبرى كل فتوى تتطلب وجود ثلاثة أعضاء على الأقل والتصويت بالأغلبية المطلقة تقرير: غازي كشميم- جدة بموجب الأمر الملكي رقم أ/137 بتاريخ 28 أغسطس 1971 أنشئت هيئة كبار العلماء التي كانت تضم سبعة عشر عضوًا من كبار المختصين في الشريعة، تتولى هذه الهيئة إبداء الرأي فيما يحال إليها من الملك أو الحكومة من مسائل تتطلب رأيًا شرعيًا مستندًا إلى الأدلة الشرعية فيها. وهي تتألف من ثلاثة أجهزة: مجلس هيئة كبار العلماء، والرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء، واللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء. لهذه الأجهزة الثلاثة مجالات اختصاص متمايزة ولكنها متكاملة؛ فللمجلس دور في القضايا الاجتماعية الكلية، فيما تهتم الرئاسة بالمسائل الاجتماعية الكلية والخاصة والإدارية والدولية، أما اللجنة الدائمة فينحصر دورها في المسائل الخاصة والفردية. يصدر أعضاء اللجنة الدائمة الفتاوى المتعلقة بالأمور الشخصية جوابًا عن أسئلة يطلبها الناس إما مباشرة أو عبر البريد أو عن طريق الهاتف أو الانترنت، ويجيب العلماء عن جميع الأسئلة بصفة فورية في حالة الأسئلة المباشرة أو عن طريق الهاتف. أما عن الأسئلة الأكثر تكرارًا التي تشغل بال الناس فتتم مناقشتها من خلال الاجتماعات الأسبوعية التي تجرى عامة مرتين في الأسبوع. وبحسب الباحث محمد ملين مؤلف كتاب (علماء الإسلام) يتطلب كل تباحث حول الفتوى وجود ثلاثة أعضاء على الأقل، والتصويت بالأغلبية المطلقة. وفي حال تعادل الأصوات فإن صوت الرئيس يكون مرجحًا. أما بقية أيام الأسبوع فلا بد من مداومة اثنين من العلماء على الأقل لتقديم الإجابة المباشرة لأسئلة الجمهور. ويتم تجميع الفتاوى الأكثر طلبًا وأهمية في مجموع ما ينشر في نهاية كل سنة. ويتوفر حاليًا أكثر من عشرين مجلدًا من تلك الفتاوى تم طبع نسخة منها على قرص مضغوط، كما يمكن تحميلها من الانترنت. وعلماء اللجنة الدائمة كما يدل اسمها موجودون وبشكل مستمر ودائم، ويقومون باستقبال من يريد مقابلتهم في مكاتبهم، ويردون على المكالمات الهاتفية لاستفتاءات الناس التي تتعلق بجميع جوانب الحياة العبادية والمالية والاجتماعية وغيرها. ولا يحق للجنة الدائمة -بحسب الباحث ملين- الحكم في المسائل التي تتجاوز المسائل الاجتماعية الخاصة أي المسائل الاجتماعية الدينية للحياة اليومية، وإذا ما تلقت مسائل تقع خارج دائرة اختصاصها وجب عليها إعداد مذكرات بحث بخصوصها ثم إحالتها إلى مجلس هيئة كبار العلماء. لكن في واقع الحال فقد تم تجاوز هذه الآلية في بعض الحوادث الكبرى التي تمس الأمة الإسلامية عامة كما حدث خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة في ديسمبر 2008 حيث نشرت اللجنة بيانًا على الانترنت أدانت فيه تلك الحرب ودعت إلى تقديم الدعم للشعب الفلسطيني. أما الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء فكانت منذ إنشائها باسم (الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والدعوة والإرشاد) تمثل حجر الزاوية في الهيئة؛ إذ كان لها دور مهم في تعزيز صورة الإسلام، والدفاع عنه، ونشر التدين ومظاهره في المجتمع. كما أنها كانت تلعب دورًا في التنسيق بين جميع جمعيات ومنظمات الدعوة. كما تتولى أيضًا مهمة حماية العقيدة الإسلامية والفكر السلفي من خلال إصدار كتب في العقيدة والفقه والجدل العقائدي والدعوة ونشرها. وتقوم بدعم طلاب الدراسات الشرعية من خلال تقديم المنح الدراسية لهم ومنحهم حرية الوصول إلى المكتبات والمخطوطات. وبعد إنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد تركز عمل الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء على إدارة مجلة البحوث الإسلامية، والإشراف على الموقع الإلكتروني، ونشر فتاوى اللجنة الدائمة، وبحوث وفتاوى هيئة كبار العلماء، ونشر الكتب العقائدية والفقهية، كما أنها تضطلع بمهمة رئيسة وهي الإشراف على عشرات العلماء والباحثين في الفقه والعلوم الشرعية، والمكلفين بالرد على الآلاف من الأسئلة الاجتماعية الدينية والتي لم يتمكن أعضاء اللجنة الدائمة من الإجابة عليها والتي تصل يوميًا إلى مقر دار الإفتاء، كما أنهم يقومون بإعداد المذكرات البحثية في مختلف الموضوعات التي يطلبها المفتي العام أو أعضاء هيئة كبار العلماء. أما مجلس هيئة كبار العلماء فهو من يختص على المستوى الاجتماعي الكلي، ويجتمع أعضاؤه مرتين في السنة، مرة في الرياض، ومرة في الطائف، كما يمكنهم الاجتماع في الحالات الاستثنائية في أي مكان وفي أي وقت بناء على طلب من رئيس المجلس. كما يمكنهم الاجتماع أيضًا بناء على طلب من مجلس الوزراء. ويتداول المجلس في القضايا الاجتماعية والسياسية الكبرى التي تؤثر تأثيرًا مباشرًا على الواقع المحلي. كما أنه يمكن أن يناقش قضايا مجتمعية ملحة تبعًا لمقتضيات الحال والواقع. آل الشيخ: تواجدهم يمثل مزيدًا من الثقة والهيئة محل استشارة الدولة عبدالرحمن آل عشقان - جدة من جهته بين الأستاذ المشارك بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور هشام عبدالملك آل الشيخ عن سروره بهذه القرارات الموجهة بتشكيل جديد لهيئة كبار العلماء برئاسة سماحه المفتي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وأضاف أن هذا التشكيل الذي قد ضم: فضيلة الأستاذ الدكتور سعد بن تركي الخثلان والشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز سيمثل إثراءً لهيئة كبار العلماء التي تمثل الهيئة الدينية الكبيرة في هذه البلاد المباركة، وقد عرفت الدكتور سعد الخثلان من خلال عملي في الجمعية الفقهية منذ عدة سنوات من طلبة العلم المعروفين، والفقهاء المتمرسين، ومن الذين يمتازون في ثباتهم وقوة تركيزهم في فتاواهم، ولذلك سيشكل دخوله في هيئة كبار العلماء مزيدًا من الثقة بهذه الهيئة، وسيثري مساحة البحث الشرعي. كما أكد آل الشيخ أن الهيئة بتشكيلها الجديد تعزز مكانة هؤلاء العلماء الكبار في بلادنا؛ وتجدد الثقة فيهم وفي فتاواهم، التي تعود الناس الرجوع إليها في المسائل المختلفة. كما أشار إلى المرجعية الاستشارية والدينية التي تمثلها هذه الهيئة بالنسبة للدولة. كما أشاد آل الشيخ بانضمام الشيخ عبدالرحمن الكلية إلى «الهيئة» مؤكدًا أن انضمامه أيضًا سيعطي مزيدًا من القوة والثقة للهيئة، كما أنه يعكس اهتمام القيادة الرشيدة متمثلة في خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين بهذه الهيئة واهتمامهم بالعلماء والمشايخ الكبار.